الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

قنوات إعلامية أم قواعد عسكرية ... ؟!! / حاج داود نجار

           قنوات إعلامية أم قواعد عسكرية ... ؟!!


 - حاج داود نجار




1
نتصوَّر لو لن نتناول هذا الموضُوع الدَّقيق و الخطير اليَوم ، بعلم وصراحة واحترافية ، كيف سيَكون حالنا بعد 5 أو 10 سنوات قادمَة ؟!!
أولا : هناك من لا يُدرك أن العَالم تغيَََّر ، وتغيَّر بشكل جذري ، وأكبر بل وأخطر مُتغير فيه هو التصور الجديد للإتصال المعولم ، إذ لم نصبح نعيش في قرية ، بل أصبحنا في زمن أضحى فيه العالم أقصر من القرية المفتوحة المنافذ والشرور.. أو للخير كذلك إن اجتهد أهل الخير !! فيه يمكن أن تحافظ على خصائصك الجميلة الرائعة ، و لك الوقت في أن تبحث عن الآليات التي تعالج نقاط ضعفنا وما أكثرها أو تخلفنا المتراكم..!!
فجأة و بحكم قوة هيمنة الإتصال لم تعد ذلك الإنسان الملهم و لا ذلك المفكر ، بل أصبحت مجرد كائن وسط معادلة الصراع و الصراع المضاد ، كحبة الرمل يمكن أن تنسف مع أول عاصفة رياح.
أي أن الكلمة و المعلومة و الصورة يفترض أن يُدقق فيها كما يدقق في تحديد دواء الوصفة في كل مرة و إلا تحول ما يفترض أن يكون دواءً إلى سما قاتلا.. هناك تبدأ أولى خطوات العلم و الدقة و الإحترافية في التعاطي مع علم الإتصال المعاصر ، الذي لم يصبح مجرد إثارة ، وجلب للمشاهد حتى وإن كان ذلك بمزيد من المجازر والدماء والدمار..!!
الإتصال لم يعد غوغاء و لا مظهرة ، أو كثرة كلام و سفسطة ، بل أضحى علما دقيقا ، أدق من علم الطب و العمارة و الفضاء !! ما هو خطير اليوم أن عقلية الحرب والهيمنة والإستبداد ، إنتقلت من الثكنات إلى الفضاء ، في زمن العالم القرية ، وتحولت المؤسسات الإعلامية إلى شبه قواعد عسكرية ، ودخلنا بذلك زمن حرب الصورة بقوة ، وهي أخطر أشكال الحروب المعاصرة ، بل أقوى وأقذر من الحرب الكيمياوية أوالنووية ، لشئ بسيط أن الحرب النووية قد تفتك بالبشر في حيز معين ومجال محدد من الدولة المستهدفة ، في حين أن حرب الصورة قد تفتك بعقول دولة كاملة بل و بالعالم بأسره وفي نفس اللحظة ، ولعل هذا أخطر أشكال الجرائم التي لم تنتبه لها البشرية اليوم ، وينفذ أجندتها اللوبي الصهيوني بواسطة قطر.
بغض النظر عما يريده أو لا يريده الشعب السوري الآن ، فإن ما يحدث الشهور الأخيرة ، هو في الأصل حرب احتلال واضحة تتم بواسطة الصورة الإعلامية القذرة بالدماء ، ومن يتحكم في مهارة توظيف هذه الصورة فقط هو من يكسب الحرب و يحقق مبتغاه القذر ، أما بقية الأمور ما هي إلا مجرد أوهام وتمويهات..
وحرب الصورة ضحاياها أخطر من الحرب الكيماوية التي بدأت بعض الجهات تروج و تموه بها العالم بها اليوم على غرار ما حدث في العراق الذي ما يزال عبارة عن مجازر من الدماء إلى غاية يوم أمس رغم أن احتلاله والتبشير بالحرية والطمأنينة وأوهام الديمقراطية مر عليها ثماني سنوات.
2
أي لكي تحتل أي منطقة في العالم ، وتتحكم في قرارها السيادي ، أو تبسط نفوذك على الدولة التي تريد وتنهب ثروتها ، عليك فقط بإنشاء فضائية أولا ثم تفبرك مظاهرة في زاوية معينة من المدينة الواحدة في الدولة الكبيرة ، يتم فيها قتل شاب يتم تصوير الحادثة ، ثم يكرر بث الصورة عشر وعشرون ومائة مرة في الأسبوع ، الصورة تلك المكررة تنتج بعد ذلك عنفا ثم اضطرابات في أكثر من منطقة ، وإذا كان هناك ما يسمى بحقوق الإنسان فإن العملية تصبح أكثر سهولة لتعميم مجازر القتل ، لأن هناك ممثلين عن أكذوبة تسمى حقوق الإنسان وظيفتهم تنحصر في التنديد والندب و إعلان أرقام القتلى في كل مرة وكالعداد.. وبهذا تتطور الأمور من يوم إلى آخر و يصبج القتل بالصورة عادة يومية ، ويتطور العدد من قاتل أو قتيلين إلى العشرات والمآئة والمائتين في اليوم الواحد بفضل تقنية وبراعة توظيف الصورة في عملية القتل ، حينها تصبح كل التنظيمات الدولية مجرد هيئات تابعة تتحرك بناء على من يدير أجندة حرب الصورة ، من مجلس الأمن إلى وزراء الخارجية يصبح الجميع عبارة عن بيادق..!!
وإلا بماذا نفسر تركيز فضائيات على اتخاذ أسلوب إذكاء وتوسيع الشعور بالإحتقان و نشر البؤس و المجازر و تشويه رحمة الإسلام في عيون العباد ، و في نفس الوقت تحاول تلميع صورة هذا أو ذاك ، وتحوله إلى بطل الأبطال في حين أن ما هو مطلوب من الإعلام هو شئ آخر مختلف تماما ، وهو الذهاب إلى عمق ملفات الفساد و كل ما يؤدي إلى سياسات الإفساد أو يفتح منقذ من منافذ الهيمنة و المجازر..!! عوض اللعب بالعواطف و المشاعر..!!
وتوظيف الدواء في علم الطب في غير موضعه يتحول إلى سم قاتل للفرد الواحد وفي الإعلام الخسائر ستكون أفظع و أكبر حين يتم عسكرة الإعلام أو تحول مؤسسات الإعلام إلى ثكنات أو تشتغل بمنطق الثكنات ، لا بأبجديات الحقيقة والإعلام الصادق.
المفارقة أن فقهاء القانون نجحوا في إبداع أنظمة توقف المجرم الذي يرتكب جنحة أو جناية أو يجرم لمجرد أنه امتلك هاتف نقال مسروق بلا علم ، و لكنهم هم عاجزون اليوم على اكتشاف المجرم الحقيقي الذي يغتصب ثروات بلد و يقتل و يفتلك بالأبرياء بالمآت و مع كل ذلك نجد هناك من يُدعم المجرم و السفاح و يسنده بمختلف أشكال السلاح و القاذفات ، و كان الجميع مصاب بعاهة العمي ، و يصبح ذلك كله و كأنه إنجازا وجب تأييده و ابتكار أصدقاء و مؤيدين له !!
وأصبحنا اليوم نشاهد وبوضوح وأمام أعيننا كيف ومن يصنع الإرهاب وطريقة تمويله وفنيات ابتكار المجازر والترويج لها ، و كأن الأمر جد عادي في لحظة اختلطت فيه كل الأوراق والمفاهيم ، لأن الإعلام لم يصبح إعلام بل أضحى أداة لدعم الجريمة وقوة الهيمنة و الإستبداد.
3
وقد نجحت هذه الطريقة الحديثة في الحرب و احتلال الدول ، سبق وأن شاهدنا و عشنا ذلك في الجزائر بداية التسعينات حيث تم قتل الآلاف و بين الألاف هناك عشرات الصحفيين تم اغتيالهم ، لهدف واحد و هو تركيع الجميع من الدولة إلى إلإعلام و الإنسان ، وتطويع الكل بما يتماشى مع ما تريد قوى الهيمنة و المكر و الإذلال ، وحدث هذا في العراق و في أفغانستان و اليوم هناك إخراج مبدع و بشعارات بديعة و مغرية كالربيع العربي أو الأطلسي كما يحلوا للبعض تسميته ، و الثورات العربية وحلم الشرق الأوسط الجديد الخ..
خطط الهيمنة و ديمقراطية الخداع و الإصلاح الزائف أضحى هو هدف من يحرك بيادق اللعبة على خشبة المسرح و بالجملة بـ"الريموت كنترول" من بعيد أي أن كل شئ يدار وبإحكام من الخارجية الأمريكية و البانتاغون ومصالح السي أي أي ، وقنوات الناتو في مجملها بدأ من الجزيرة التي خدعت الجميع و أضحت مجرد مصالح تابعة تنفذ ما يحدد لها من أجندات فقط ، ولا يهم طريقة القتل اليومي و التصفية و حين تحتاج هذه المنطقة أو تلك إلى السلاح هناك نجد قطر وحلفائها جاهزون لإغراق السوق بمختلف أشكال وقطع السلاح.. فالربح مضاعف أما عن البشر فليذهبوا في ستين داهية !! يحدث هذا في شمال مالي بواسطة السلاح القطري ، وفي ليبيا وسوريا ، و العالم في غفلة إلى الأذنين ، بل في حالة تغافل ، و قد لا يتفطن إلى حين خراب البصرة.
لهذا مطلوب اليوم أن ندرك أن الوعي الكاذب اخترق الكثير من التصورات ، و عودة العقل و إدراك قوة العلم و مكامن الخلل ، لاستبيان الحقيقة هي أولى خطوات الخروج من النفق في أقرب وقت !!
و إلا لم ندرك بعد أبعاد رمضان و لا أسرار الصيام ، مادام و أن الإنسان المعاصر غارق من حيث لا دري أو يدري وسط وعي كاذب و لا يستطيع أن يشغل أهم نعمة وهبها الله له و هي نعمة العقل في إدراك حقائق ما يدور حوله.. بعلم و ببصيرة !!
كان جوزف غوبلز الذي لا يعرف لا رمضان و لا الصوم محقا حين قال لهتلر : أعطني إعلاماً بلا ضمير أعطيك شعباً بلا وعي…!! " فهل ما نشاهده من إعلام اليوم نكتشف فيه ذرة ضمير ، أو يحمل أدنى ملامح الكشف عن الحقيقة ؟! لا الحقيقة الزائفة بالسلاح النووي ؟!! أم أن حرب الصورة أقوى من التفكير في الحقيقة أصلا.. و كل المعطيات تؤكد أن حسابات إسرائيل في سوريا ستكون هي الرابحة في الحرب الشرسة الدائرة الآن على دمشق وليس لأي طرف آخر.
اللهم إلا إذا حدثت ثورة حقيقة مفاجئة في عالم الإعلام ، و تخلص من قوى المكر و الإستبداد الناعم ، و هذا ما لن نتصوره غدا لأن الإعلام الصهيوني القطري ينتظر بالمرصاد لخلط الأوراق أمام أي طارئ !!


 


                                    الإعلامي : حاج داود نجار  
الصورة : ويليام هيق وزير خارجية بريطانيا جالس جنب امرأة قبل فترة في سوريا


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حوار مع الكاتب والمترجم ومُؤسِّس "مجتمع رديف" الأستاذ يونس بن عمارة على جريدة الحوار ~ْ

الكاتب والمترجم ومُؤسِّس "مجتمع رديف" الأستاذ يونس بن عمارة للحـوار: غاية مشروع "مجتمع رديف" الأساسيّة إضفاء قيمة اقت...