‏إظهار الرسائل ذات التسميات التدوين. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات التدوين. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 25 يناير 2024

حوار مع الكاتب والمترجم ومُؤسِّس "مجتمع رديف" الأستاذ يونس بن عمارة على جريدة الحوار ~ْ

الكاتب والمترجم ومُؤسِّس "مجتمع رديف" الأستاذ يونس بن عمارة للحـوار:

غاية مشروع "مجتمع رديف" الأساسيّة إضفاء قيمة اقتصادية مُجزيـة على اللغة العربية


·       وصول مجتمع رديف للقائمة القصيرة لجائزة الإسكوا اعترافٌ ضمنيّ بالجهود التي بذلناها منذ إطلاق المجتمع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

·        « شبكات التواصل مرحلة من تاريخ الإنترنت وليست -ولن تكون- هي الإنترنت»

·        « الذكاء الاصطناعي نعمة جليلة للإنسانية، ولن تستبدل مَن يتعلم باستمرار وله تفكير ناقد ومَلَكة تحليلٍ»

·      « هناك أسماء لامعة في ميدان التدوين منها ناصر طارق؛ شروق بن مبارك؛ دليلة رقاي ونادية ميرة وغيرهم»

·       « لا وجود لمنصّة إعلامية في واقعنا العربيّ تجمع الصحفّيين والخبراء وصنّاع المحتوى النافع»


·  حاوره: منيـر سعـدي

                                   ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    لصناعة المحتوى الرقميّ أهميّة كبيرة في عصرنا الحديث، حيث يؤدّي دورًا مهمًّا في التعليم والتسويق ونشر المعرفة وغيرها، ويشكّل مساحةً أساسيّة وواسعة من حياة الأفراد، ويُعدّ الكاتب والمترجم الأستاذ يونس بن عمارة من بين الشخصيّات الرائدة في هذا المجال، يتميّز بتقديم محتوى ذو كثافة وتنوّع في مختلف المجالات، وتشمل تجربته العديد من الخبرات والإنجازات، إذ يتقن صناعة المحتوى، والترجمة، ومشاركة المعارف في عديد المنصّات على شبكة الإنترنت، من بينها مدوّنته الشخصية التي خاض فيها تحدِّ التدوين بشكل يومي دون انقطاع لأكثر من ثلاث سنوات، ليخرج بتجربة نادرة واستثنائية في الفضاء التدويني العربي والعالمي.

ألّف يونس أربعة كتب، وترجَم ستّة أخرى بين الرواية والطبّ والتاريخ، ويعتبر "مجتمع رديف" من أهمّ وأشهر المشاريع التي أطلَقها لصقل وتبادل مهارات الكتابة وجعلها مصدر ازدهار مادي ومعنوي ومهني، بالإضافة إلى مدوّنته الصوتية "بودكاست يونس توك" التي تُعدّ ضمن النسبة 1 بالمئة الأفضل على مستوى العالم، كما نال يونس بن عمارة المرتبة الأولى في مسابقة مركز بروكنجز الدوحة البحثية للشباب العربي، كما اُختير مشروع "مجتمع رديف" قبل أيّام ضمن القائمة القصيرة لجائزة الإسكوا "التابعة للأمم المتحدة" للمحتوى الرقمي العربي.

يفتح هذا الحوار مع الأستاذ يونس بن عمارة باب تجربته في التدوين، والترجمة، وبعض مشاريعه، على غرار "بودكاست يونس توك" و "مجتمع رديف"، وعن رأيه في جملة من القضايا المتعلّقة بصناعة المحتوى بشكل عام.

      كيف تجيب عن السؤال الشّهير: كيف تعرّف نفسك في كلمات قليلة؟.

يونس بن عمارة؛ جزائري ابن 32 ربيعًا؛ أصف نفسي بأني رائدُ أعمال محتوى أي إستراتيجيّ يُحوِّل المحتوى المنشور على الإنترنت إلى تجارات ناجحة ومزدهرة تدرّ دخلًا وترضي معنويات من ينشئ ذلك المحتوى.

      أنت واحد من القلائل الذين ظلّوا متمسّكين بالتدوين الالكتروني وصناعة المحتوى وبشكل مكثّف بالطريقة الكلاسيكية رغم مواكبتك لأشكاله الجديدة المتعددة، ورغم كلّ ما عرفه من تحوّلات وتأثّر خاصّة بعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، ما الذي حافظ على شغفك بهذا المسار وإصرارك عليه؟.

هناك عودة للمدوّنات والتدوين بصورتها التي بدأت بها الإنترنت؛ والسبب في هذه العودة تَغَوُّلُ (من صارت غولًا) الشبكات الاجتماعية؛ فالناس وفق إحصائيات أخيرة قللوا النشر في الشبكات الاجتماعية؛ وأصبحت الشبكات مرعبة من ناحية المحتوى حيث لا يمكن للطفل أو الفتى الناشئ تصفحها دون مراقبة أبوية؛ وأيضًا لَعِب الحنين للماضي (النوستالجيا) دورًا في إحياء هذه النزعة للتدوين على شاكلته القديمة وبعثه من رقاده؛ ولنِعْمَ النزعة هذه النزعة وما أنا إلا أحد المساهمين في بعثها واستمرارها. لاحظ أن الإنترنت -ورغم أن الكثير لا يعلم ذلك لسبب أن الشبكات الاجتماعية أرادت ذلك أيضًا- أكبر من الشبكات الاجتماعية وأقدم منها. وسيستمر بعدها فالشبكات مرحلة من تاريخ الإنترنت وليست -ولن تكون- هي الإنترنت.

      تختلف تجربتك التدويّنيّة بكونك تدوّن بشكل مكثّف، حتى أنّك دوّنت على مدوّنتك الشخصية بشكل يومي دون انقطاع لأكثر من ثلاث سنوات، وهذا تحدٍّ صعب ويعتبر تجربة نادرة واستثنائية في الفضاء التدويني العربي والعالمي، حدّثنا عنها، هدفها ورسالتها، وأثرها عليك وعلى الآخرين الذين رافقوا التجربة بالمتابعة والاهتمام، وكيف استطعتَ الحفاظ على التزامك بذلك كلّ تلك المدّة الطويلة؟.

هدف التدوين اليومي كان توثيق أكبر قدر ممكن ممّا أستهلكه معرفيًا كي ينتفع به غيري فأنا كثير القراءة ولله الحمد وأحبّ لما أجد معلومة نادرة أو دراسة حديثة أو قصة جميلة مشاركتها مع الآخرين؛ ولتكوين جمهور احتجت أن أدوِّن يوميًا كي أخلق فيهم عادة زيارة مدونتي والعودة لها؛ وقد لاقت التجربة استحسانًا وتشجيعًا أدى لدعمي والتفاعل معي مما حفّزني على الاستمرارية وتجلى ذلك في بدء كثير من المتابعين يومهم بقراءة ما أكتبه يوميًا؛ وحزنهم لما انقطعت عن التدوين اليومي نظرًا للانشغال بمجتمعي الرقمي رديف ومشاريعي فيه.

      كيف ترى التجربة التدوينيّة الجزائريّة على مختلف أشكالها وأدواتها، وماذا عن مكانتها حاليا ومستقبلًا مقارنةً بالتجارب التدوينيّة الأخرى في الفضاء العربي؟.

ضعيفة جدًا وتحتاج الدعم والتشجيع ودعوة المزيد من الجزائريين والجزائريات ليكونوا مدونين ومدونات في الفضاء النصيّ والصوتي أي البودكاست لأنه في المرئي هناك جزائريون يصلون لحد ما للعالم خارج البلاد؛ الناس تعرف مدونين مشارقة ومصريين وشاميين لكن نادرًا ما يعرفون مدونًا جزائريًا نصيًا؛ لذا أسعد دومًا ببزوغ نجم مدوّن نصي جزائري وأفتخر به ويحلو لي هنا ذكر بعض الأسماء اللامعة في الميدان منها على سبيل الذكر لا الحصر: ناصر طارق؛ شروق بن مبارك؛ دليلة رقاي ونادية ميرة وغيرهم.

      أنت تتقن الترجمة بمختلف مجالاتها، وترجمتَ العديد من الكتب بين الرواية والطبّ والتاريخ، ماذا يعني لك فعل الترجمة، وإلى أي مدى يحتاج صانع المحتوى إلى إتقانها لخدمة مشاريعه؟.

الترجمة فرضٌ وليست خيارًا في هذا العصر، لذا إن أردت أن تكتب ما له قيمة علمية فإن تعلّم الإنجليزية واجب لا يمكنك القفز عليه؛ وقد ساهمتُ بتوفيق من الله بنقل معارف قيمة من الفضاء الغربي للفضاء العربي بلسان عربيّ مبين.

      "بودكاست يونس توك" مدوّنة صوتية أسستَها قبل سنوات، وتُعدّ ضمن النسبة 01 بالمئة الأفضل في العالم، وهي خلاصة قراءات وتجارب في الكتابة والترجمة وصناعة المحتوى، حدّثنا عن دوافع وأهداف هذه التجربة.

كنتُ أقدّمه أسبوعيًا وفشلتُ في الالتزام الأسبوعي بالنشر فانتقلت للشهري وهو كذلك مُذ فترة؛ وها هنا درسٌ مهم إذ أن فشلك في الالتزام لا يعني أن تتوقف ولو تخفف وتيرة النشر أحسن بكثير من الانقطاع، وبهذه الطريقة وصلت الآن بفضل الله إلى أكثر من 160 حلقة منشورة في مختلف المنصات العالمية ويسمعها الألوف في أنحاء العالم شتى.

      تعاقدتَ بصفتك مترجمًا للمحتوى مع شركات عديدة، بماذا تنصح المهتمّين بخوض تجارب عمل من هذا النوع، وما السبل والمهارات الضرورية التي تسهّل عليهم الحصول على فرص عمل في هذا المجال؟.

السبيل لذلك واضح لكن تنفيذه يحتاج صبرًا وتحمّلًا واستمرارية: أيًا كانت مهارتك اُنشر ما تفعله على الإنترنت؛ استمر في ذلك؛ شاركه؛ اخدم الناس لفترة دون مقابل؛ ثم تعاقد بصفقات مدفوعة بعد أن تكون قد أنشأت معرض أعمال (عينات من أعمالك على الإنترنت). أيضًا التواصل مع العملاء المحتملين (مراسلتهم من نفسك بخدماتهم بغرض التعاقد معهم) نافع جدًا وكفيل بأن يمكّنك من إيجاد عملاء ممتازين سيصيرون لاحقًا أصدقاء لك يفتحون لك أبوابًا لم تكن تحلم بها.

      ساهمتَ بصفتك متحدّثًا في مؤتمر الناشرين العرب السادس بالشارقة 2022، ولهذه التجربة إضافة في مسيرتك، ماذا تمنحُ المشاركة لصانع محتوى في هكذا فعاليات؟.

الظهور الإعلامي الذي يعطي دفعة تسويقية ومعنوية لصانع المحتوى، وأشكر الدكتور خالد عزب الذي أتاح لي هذه الفرصة.

      نلتَ المرتبة الأولى في مسابقة مركز بروكنجز الدوحة البحثيّة للشباب العربي، ما رأيك في المسابقات العربية التي تُعنى بصناعة المحتوى، هل هي كافية وتساهم في خدمة ودعم وتثمين المحتوى العربي الجادّ؟.

ولا شك، ونحتاج المزيد منها كي يربح عدد أكبر من صناع المحتوى الذين يجاهدون بالفعل في دفع عجلة تقدُّم المعارف البشرية.

      يعدّ "رديف" أهمّ مشاريعك، وهو مجتمعٌ رقميّ يوفّر تبادل الخبرات ويرتقي بمهارات أعضائه إلى مستوى المحترفين، بالإضافة إلى كونه فضاءً للتواصل الإنساني، حدّثنا عن فكرته ونواته الأولى، سرّ تسميته وطريقة عمله وأهدافه، والمزايا التي يقدّمها للمشتركين.

فضل التسمية يعود للزميل العزيز طارق الموصللي، ومعناه الذي يركبُ خلف السائق في إشارة لدعمنا من يشترك معنا، وهو مجتمع رقمي لتعلّم المهارات عن بعد.

غاية رديف الأساسية هو إضفاء قيمة اقتصادية مُجزية على اللغة العربية؛ بمعنى أن رسالتنا أن نفك أقفال كامل القيمة الاقتصادية التي تحتويها اللغة العربية ونطلق عِنانها بتمكين الناطقين بها من اكتساب مهارات مكتبية قيمة مطلوبة في سوق العمل.

وقد جاءت فكرة رديف بعد استشارة الزملاء والأصدقاء؛ وأسَّستُه بعون الله وحوله وقوته بالمشاركة مع المترجمة والكاتبة الجزائرية القديرة إكرام صغيري؛ وذلك بعد ملاحظة ثغرة في السوق العربي ذات ثلاثة أبعاد: فوفق الإحصاءات 70 بالمئة من أصحاب الشركات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ينوون توظيف المستقلين؛ في حين نرى وفق تقرير البنك الدولي أن أشد مطالب المستقلين هي التدرّب والتعلّم؛ لذا رديف حلقة وصل بين احتياجات أصحاب الشركات والمستقلين حيث يحتاج الأولون عمالة ماهرة مواكبة للعصر ويحتاج الأخيرون تدرّبًا عالي الجودة على مهارات مطلوبة في السوق. والبعد الثالث هو: خلق مكان آمن معنويًا ومهنيًا يلتقي فيه المستقلون العرب يشاركون مخاوفهم وانشغالاتهم وتطلعاتهم وتقدّمهم لأن الرحلة شاقة وتحتاج رفقة صالحة تعين المرء على عمله الذي لا زال المجتمع ينظر إليه بعين التشكك والريبة.

      هل لك أن تعطينا لمحة حول طريقتك في تسيير مشروع رقمي كرديف يضمّ جنسيات وأعراق مختلفة حول العالم تجمعهم في الغالب اللغة فقط؟.

يساعدني في التسيير زملاء وزميلات وعلى رأسهم الأستاذة بلقيس إدريسي وهند وأيوب بن عمارة وإكرام صغيري وهو عمل صعب لكنه عندما يكون جماعيًا يهون. كذلك العربية أحسن أداة جامعة للأقطار العربية وحتى غير العربية (على سبيل المثال من آخر من اشترك معنا تشاديّ يقطن في ماليزيا) فبفضل العربية نتفاهم ونتعاون ونتعلم الخير ونُعلِّمه.

      يصنع أعضاء مجتمع رديف بشكل يومي محتوى محترف على الانترنت، هل لك أن تسرد لنا بعض الأرقام عن قدر مشاركة رديف كمجتمع في إثراء المحتوى العربي الرقمي؟.

إليك هذه الأرقام حامِدًا الله عزّ وجلّ:

درّبنا بصورة فردية أكثر من 600 فرد وأهلناهم تأهيلًا مناسبًا لسوق العمل الحر عبر الإنترنت (معظمهم نساء) من أنحاء العالم الناطق بالعربية.

قدمنا 500 ساعة محتوى تعليمي وشرح تقني ومعرفي وتدريب مسجّلة في مكتبة رديف الخاصة وبعضها في الإنترنت العام.

أنتجنا ضمن #تحدي_رديف أزيد من 1600 مقال باللغة العربية. نُشرت بالفعل في الإنترنت (التحدي لا زال قائمًا وهو مفتوح للأبد) أي أننا أنتجنا ما يعادل 53 كتابًا منذ انطلاق التحدي (بواقع 30 مقال في كل كتاب)

ينتج أعضاء رديف مجتمعين وباللغة العربية حوالي 5 ملايين كلمة بالعربية كل عامٍ لعملائهم وللتسويق لخدماتهم والهيئات والمبادرات والأفراد (نحو 200 عضو مشترك حالي يدفع، مع متوسط إنتاج 30 ألف كلمة في العام لكل فرد) ما يعادل 100 كتاب كل عام (لو حددنا كل كتاب بـ50 ألف كلمة).

      في واقع تطغى عليه النزعة الاستهلاكية كالذي نعيشه، كنصيحة، ما هي أفضل الطرق لتحوّل الشخص من حالة الاستهلاك إلى الإنجاز؟

الحِمية المعلوماتية أي  informational diet وهي أن تراقب ما يستهلكه ذهنك كما تراقب ما يستهلكه بطنك.

      اُختير قبل أيّام مشروع "مجتمع رديف" ضمن القائمة القصيرة لجائزة الإسكوا التابعة للأمم المتحدة للمحتوى الرقمي العربي، كيف تلقّيت هذا الخبر، وهل تعتبره مسؤولية إضافية لـ "رديف"، وما تأثيره عليه وعلى تجربتك ومسارك بشكل عام؟.

تلقيته بحمد المولى عز وجل والسرور والفرح وهو إنجاز لكل مجتمع رديف وأعضائه وطاقم عمله ونسأل المولى أن يوفِّقنا في تحمل مسؤولية هذا التشريف ويعيننا على تجاوز التوقعات وتحقيق ما هو أكبر منها.

إنّ مجرد وصول مجتمع رديف للقائمة القصيرة اعترافٌ ضمنيّ بالجهود التي بذلناها منذ إطلاق المجتمع وهو شرف كبير ووسام يسعدنا حمله ومسؤولية كذلك؛ وذلك لأن أهداف رديف تتقاطع مع مستهدفات الجائزة الرامية إلى: مكافأة المحتوى الرقمي الذي يركّز على التنمية المستدامة؛ والمساهمة في سدّ النقص في المحتوى الرقمي باللغة العربية؛ وتطوير مجتمع المعلومات والمعرفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهذا بالتحديد ما يعمل عليه بجدٍ واجتهاد مجتمع رديف بكامل أعضائه وفريق عمله.

      بعد تأهّلك لجائزة الإسكوا أطلقتَ هاشتاغ #أثر_رديف، وسرعان ما انتشرت عبر منصّة X العديد من التغريدات التي تناول أصحابها رديف كنقطة تحوّل أساسيّة في حياتهم العمليّة والشخصية أيضا، كيف استطعتَ من خلال مجتمع رديف تحقيق هذه المساحة الواسعة من التأثير والثقة في وقت وجيز إلى حدّ ما؟.

بفضل المولى عز وجل؛ وقد حرصتُ منذ أطلقت رديف على تقديم أقصى ما لدي وبذل ما في وسعي وخدمة الأعضاء على قدمٍ وساقٍ دون تأفف ولا كسل. 

وقد ساهمت طبيعة الأشخاص المشتركين والتي تتسم بالمحبة والمودة والكرم المعرفي والمادي والإيمان بوجوب إعلاء راية اللغة العربية وإنتاج المعرفة النافعة في جذب المزيد ممن يفكّر بنفس هذه الأفكار مما خلق حركيّة مباركة حميدة أنا نفسي أندهش يوميًا منها وذلك نظرًا لكمّ الحبّ والترويج الطبيعي العضوي الشفوي والكتابي الذي يؤديه مشتركو المجتمع طواعية وحبًّا في نمو المجتمع ونجاحه؛ وهذا ما أدى إلى توسّع رقعة تأثيره وشموله عددًا طيبًّا من مستخدمي الإنترنت. طبيعةُ الإنترنت كذلك والتي تُسهّل وتُيسّر نقل المعلومات والمعارف واتباعنا أساليب ما يسمى "التسويق الإنساني غير القسري" جذب لنا من كَرِه من التسويق الافتراسي القسري والمُلِّح؛ فنحن لا نقدّم وعودًا مبالغًا فيها ولا نكلّف أنفسنا فوق طاقتنا ونظهر عفويين ونقول ما نعلم ونُعلِّم ما تعلّمناه دون احتكار لأي أسرار أو طرق أو معرفة دنيوية.

      شهد الفضاء التكنولوجي عبر العالم في السنوات الأخيرة ثورةً في مجال الذكاء الاصطناعي، كيف ترى مستقبل التدوين وصناعة المحتوى في ظلّ التطور الرهيب لهذه التقنية التي يقول العديد من المتخصّصين أنها ستؤثّر حتمًا بشكل سلبي وخطير على كلّ المجالات إذا لم تُحدَّد بمعايير وضوابط صارمة؟.

الذكاء الاصطناعي نعمة جليلة للإنسانية وسيقتحم كل القطاعات بحيث يُيسِّر حياة الناس ويفتح آفاقًا جديدة. وهو أداة تعزز الإنتاجية ولن تستبدل من يتعلم باستمرار وله تفكير ناقد ومَلَكة تحليلٍ.

      نصيحة يونس بن عمارة لكلّ من يريد دخول مجال صناعة المحتوى الرقمي لكنّه مُقيّد بالتردّد والتخوّف من التجربة ومستقبلها؟.

«إن النسخ الأولى من أي عمل ستكون رديئة» كما يقول الحائز على نوبل إرنست همنغواي؛ لذا اُنشر على أي حال فبعد أن تصل لمستوى جودة مرتفع سترى الماضي وتصير النسخ الرديئة وسامًا على صدرك تفتخر به قائلًا: «بدأتُ من الصفر؛ أين كنت وأين صرتُ».

      كيف يرى ويقيّم يونس تعاطي "المؤسسات الإعلامية" الجزائرية والعربيّة مع المحتوى الرقمي المفيد والهادف وصُنّاعه، ولماذا يتجه اهتمامها بشكل ملفت نحو المحتوى الذي تطغى عليه السطحية والتفاهة بدل دعم واستثمار ما هو هادف باعتبارها مسؤولة ومساهمة بشكل رئيسي في بناء الإنسان والحضارة؟.

أولًا أشكرُ حضرتك الشكر الجزيل لكسر هذا النمطِ المؤذي للإعلام والناس على حدٍ سواء، وأرجو أن ينتبه الإعلام لمن يجاهد في صنع المحتوى النافع.

أعتقد برأيي أن اللوم لا يقع فقط على عاتق الصحفيين لا سيما وأن قطاعهم - أي الإعلام - يرزح هو نفسه تحت مشاكل تخصّهم لا سبيل لبسط القول فيها الآن وحضرتك أدرى بها منيّ؛ لكن أيضًا على صنّاع المحتوى أنفسهم أن يبادروا ويبذلوا الجهد للوصول للإعلاميين والصحفيين وتسهيل حياة هؤلاء الذين اختاروا من بين كل المهن: مهنة المتاعب؛ فمن المفترض وجود منصة مثل هارو الإنجليزية (helpareporter.com) التي تجمع بين الصحفيين والخبراء وصنّاع المحتوى ومعنى اسمها أصلًا "ساعد مُراسِلًا صحفيًا"؛ ولكن لا وجود لمثل هذه المنصة في واقعنا العربيّ؛ ومجموعات فيس وتيليجرام وواتساب غير مهنية وغير منظمة ولا كافية. لا بد من إطلاق: منصات وتطبيقات ومبادرات تتيح التواصل ما بين الصحفيين والإعلاميين من جهة وكل صاحب تأثير أو مشروع أو شركة أو مبادرة أو حركة إنسانية أو اختراع أو نظرية أو علم أو فهم أو شيء يقوله للعالم ويكون نافعًا من جهة أخرى؛ وذلك مثل منصة ماك راك (muckrack.com) فإنيّ أحلم بوجود مثلها ومثل برس هَنت (presshunt.co)؛ ومنصة كوتد (qwoted.com) وغيرها الكثير في العالم العربي.

      التدوين، الترجمة، عملك في "رديف"، ومواكبة كلّ جديد في مجالات اهتماماتك، كيف ومن أين يستمدّ يونس بن عمارة الحافز والوقت والقدرة لتحقيق كلّ ذلك بدون التقصير في أيّ مهمّة هي تعتبر حجر زاوية لمشاريعك؟.

بتنظيم الوقت وبصرامة وأيضًا لدي حمية معلوماتية صارمة كذلك، وتوفيق الله من قبلُ ومن بعْد. مع توفّر دعمٍ معنوي هائل من المقرّبين مني يدفعني للاستمرار وعدم خذلانهم.

      ماذا عن مشاريعك وخططك المستقبلية؟

أخطط مستقبلًا إن شاء الله لإطلاق برامج SaaS أي "برمجيات كخدمة"، مثل كانفا الذي يعرفه الكثير، لكن ليس للتصميم بل للكتابة وإنشاء مختلف أنواع المحتوى النصيِّ.

      كلمة في ختام الحوار لقرّاء "جريدة الحوار"؟

أشكر حضرتك جدًا أخي وزميلي منير سعدي، وإني لأشيد بجهودك العظيمة في تسليط الضوء على قضايا ومواضيع وشؤون وأشخاص لولاك لما غطّاها الإعلام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رابط الحوار على موقع جريدة الحوار الجزائرية


الجمعة، 22 يناير 2021

المدوّنة ومصمّمة الجرافيك شروق بـن مبارك للحوار: التجربة الجزائرية في التصميم الجرافيكي ضعيفة

المدوّنة ومصمّمة الجرافيك شروق بـن مبارك للحوار:

التدوين غيّر حياتي، وموهبتي في التصميم الجرافيكي كانت الورقة الرابحة في كلّ المشاريع التي دخلتها 



-        التدوين المتخصّص أداة مهمّة لصنع جيل يُعلّم ما يتعلم، وهي أفضل وسائل التعلّم.

-        انتقاء المحتوى يساهم في خلق مجتمع قارئ

-        التجربة الجزائرية في التصميم الجرافيكي ضعيفة والسبب يكمن في غياب معنى هذا الفن في سوق العمل وقيمته التسويقية والفنية في المنافسة العالمية.

-        مشاركتي بأعمال تطوعيّة في التصميم الجرافيكي للجمعيات الطلابية والخيرية ساهمت في بروز تجربتي والتسويق لأعمالي.

-        الكتابة هي عالم الإنسان الحرّ وهي ما تحقّق حريّته.

-        ليس المهمّ أن نفكّر في نشر ما نكتبه بقدر ما نعي ونستوعب ما يمكن للكتابة أن تقدّمه لنـا.

-        الحاجة لترجمة المحتوى الأجنبي ضرورة حتمية وأسعى للمساهمة في إثراء المحتوى العربي عن طريق الترجمة


·       حاورها: منير سعدي


يخلق التدوين نوافذًا للحوار والمعرفة وجسوراً بين الفئات المختلفة ومتنفّسا للتعبير الحرّ بمختلف أشكاله، ويحظى التصميم الجرافيكي اليوم باهتمام كبير في العالم لقدرته الفعّالة في نقل صورة معيّنة للناس، وتعتمد عليه بشكل أساسي أغلب المشاريع لما يحقّقه من منفعة.

يسلّط الحوار الضّوء على تجربة شروق بن مبارك التي جمعت بين التدوين والتصميم الجرافيكي، بالإضافة إلى تخصّصها في الطبّ, وسنتعرّف كيف استطاعت أن تفتح  قنواتٍ بين هذه المجالات التي ساهمت في تطوير مهاراتها فيها، تردّدت شروق في قبول الحوار في بادئ الأمر منطلقةً من قناعتها بتواضع تجربتها، ولكنّ ما تحقّقه وتقدّمه في هذين المجالين يفرض علينا التعرّف على أهمّ تفاصيل تطوّر تجربتها، وكذلك رأيها في جملة من الأسئلة المتعلقة بالتدوين والتصميم الجرافيكي.

 

-        كيف تجيبين على السؤال الشّهير، كيف تعرّفين نفسك في كلمات قليلة؟

طالبة علم، باحثة عن المعنى، شخص يسعى لإيصال رسالة، مدوّنة ومصمّمة غرافيك، خرّيجة كليّة الطب.


-       كيف بدأت علاقتك بالتدوين الالكتروني، وما الذي يبقيك متمسّكة به خاصّة بعد تراجع حركته وتأثيره بسبب انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي يقال أنّها سحبت البساط من المدوّنات؟ وهل أثّرت سلبًا أو إيجابًا على تجربتك التدوينيّة؟

التدوين غيّر حياتي، ومنحني الإحساس بأنّ ما أقوله مهمّ، وأنّ رسائلي تصل للآخرين.

قبل سنوات كان للتدوين قيمة كبيرة والعالم كان مهيّئا للمدونين، إلا أنّها تراجعت ما إن هيمنت مواقع التواصل الاجتماعي على الجميع، والفرق بين ما تقدّمه وبين التدوين شاسع جدا، إلا أنّ ما حدث وقوة مواقع التواصل الاجتماعي جعلت الأمر يبدو أن ما يكتبه الفرد يلاقي رواجا أكبر وأنها بديل جيّد للتدوين المعزول، فهي مواقع تتميز بكثرة المستخدمين، يبدو هنا الفرق جليا، الجميع ومختلف المستويات تجدها على مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأت تطغى عليها التفاهة وسطحية المحتوى والأغلبية لا تقرأ النصوص الطويلة، هنا يأتي دور المدوّنات حيث لا يدخل بيتك إلا من يريد ذلك حقا وهو مهتم بما تكتب.

 

-       سلسلة "نشرة الأسبوع" التي باشرتِ نشرها منذ أشهر من أهم ما لفت انتباهنا في مدوّنتك، حيث تشاركين قراءك من خلال تدوينة أسبوعية جديدك في القراءة والكتابة والتصميم، ماذا تضيف لك وللقرّاء هذه السلسلة؟

 

النشرة الأسبوعية تساعدني في البحث عن الجديد، وتحثّني لاستسقاء معلومات مختلفة ومتنوعة والأهم من هذا كلّه هي أنّها قد خلقت عادة مهمة عندي وهي القراءة المتواصلة لعدد كبير من المقالات أسبوعيا، والاستماع لأكبر عدد ممكن من البودكاست، والبحث المتواصل عن أفلام ووثائقيات ذات معنى بديل جيّد للتفاهة التي تغمر شاشاتنا هذه الأيام.

أفعل كل هذا لأغربل الأفضل وأشاركه قراء مدونتي، فعملية انتقاء المحتوى هي عملية مهمة ودقيقة، تكمن أهميتها أيضا في المساهمة في خلق مجتمع قارئ، فأنا أشارك مقالات من مدونين ومدوّنات عربية وأجنبية وهي طريقة لتوجيه قرائي إلى تلك المدونات، فالقارئ لا يبقى محصورا في محتوى مدونتي بل أفتح له الباب لاكتشاف عدد كبير من المدونات والمواقع الجديدة.


-       كيف ساهمت تجربتك في التدوين في صقل موهبة الكتابة لديك، وكذلك في منحك نوافذ جديدة على تجارب أخرى، ككتابة مقالات على منصّة "زد" مثلا؟

التدوين له أنواع عديدة، فكما يمكن للمدون أن يدوّن عن يومياته أو عن تجاربه الخاصة، يمكنه أن يدوّن حول علوم متخصّصة قصد تثقيف وتعليم القارئ، وهنا تكمن قوة أداة التدوين، فتدوين اليوميات يجعلها أكثر أهمية فهي ليست حبيسة الدفتر بل هي تحمل تجارب خاصة ينفتح بها الكاتب على قارئه، هنا يمكن القول أنها تجربة حياة، وإذا تكلّمنا عن التدوين المتخصّص فهي أداة مهمة لصنع جيل يُعلّم ما يتعلم، وهي أفضل وسائل التعلّم من الأساس، فالتدوين هو المساحة التي يشارك فيها الواحد ما يمتلك من أفكار مع الآخرين.

ومن إيجابيات التدوين أنه يخلق الفرص للكاتب أن يعرّف بنفسه وبكتاباته وأسلوبه، فهو يدوّن دون قيود وهذه الحرية مهمة في فعل الكتابة.

 

-       كيف ترين التجربة التدوينيّة الجزائريّة، هل ثمّة تجارب جادّة تقدّم محتوى ذا قيمة؟ وهل ساهمت حقّا في صناعة التغيير؟

نعم أرى أنّ التجربة الجزائرية محترمة جدا، فعدد مستعملي الإنترنت في الجزائر مقارنة بدول عربية أخرى يعد عدد ضئيل مع ذلك أرى أنّها تنافس المحتوى العربي والأجنبي وهي في طريق مبشّر جدا على الرغم من عددها المحدود.

نعم أرى أنّها تساهم في التغيير، خاصّة في الأشهر الأخيرة بسبب الحجر المنزلي اتجه الكثيرون للتدوين وهناك من عاد إليه بعد انقطاع تماما مثلي، وكأن الجميع ملّ من هرجة مواقع التواصل الاجتماعي وصار من المهم أن يخلق الواحد مساحته الخاصة الذي يكتب فيها أفكاره.

 

-       أنهيتِ دراسة الطبّ هذا العام، وتجربتك الجديدة في التدوين المرئي هي تجربة في التدوين الطبّي، التي بدأتها مع بداية أزمة كورونا حول العالم ووصولها إلى الجزائر، حدّثينا عن هذه التجربة الاحترافية في نشر الثقافة الطبية والصحية، وكيف ساهمت دراستك للطبّ في إثراء تجربتك التدوينيّة؟

إنها شبكة متواصلة، وكل مرحلة تأخذني للتي بعدها، من الضروري أن أبحث عن وسائل لتوصيل المعلومة والثقافة الطبية، والتدوين المرئي يعدّ الأفضل في وقتنا الحالي من ناحية الاستقبال، كما أن تجربة دخول عالم المونتاج هي تجربة لطالما أجلتها بسبب ضيق الوقت، جمع الشغف بمجال الدراسة شيء مهم فكل طرف يخدم الآخر لتقديم مادة محترمة تتطور مع التجربة المتواصلة.


-       درستِ الطبّ وفي الوقت نفسه احترفتِ في مجال التصميم الجرافيكي الذي يأخذ وقتا وجهدا كبيرا، كيف كانت بداياتك مع هذا المجال وكيف استطعت أن تطوّري مهاراتك فيه رغم انشغالاتك وارتباطاتك بمجالات أخرى؟

سأجيب تماما كما أجاب المرحوم الدكتور الكاتب أحمد خالد توفيق، أنا لم أجد الوقت ولم أعرف كيف أفعلها!، فعلا لم أجد الوقت لفعل كل ما أريد فعله في الوقت الذي أريد، الحياة غير مرتبة بالطريقة التي نريدها وهذه حقيقة، لكن الأمر يدفعنا لتعلم بعض المهارات لنستطيع عيش التجارب التي نرغب فيها، المهارة الأهم هي ترتيب الأولويات، وكل مرحلة عمرية وحياتية توجه للأهم. وهكذا.

بداياتي في التصميم الغرافيكي كانت قبل دخولي الجامعة، أما الجامعة فكانت تجربة استثنائية ابتلعت كل وقتي، لكن حينها ولسنوات جعلتها أولويتي، لأنّه كان عليّ ذلك، فهي تجربة حياة مهمّة كان عليّ أن أمنحها اهتمامي حتى أجد توازني أو هكذا شعرت، من الصعب أن يمسك الإنسان العصى من المنتصف، لكن الحياة مليئة بالتضحيات حتى تستمر، المهم أن يعرف الإنسان بما يضحي وهل ما يضحي من أجله يستحق.


-       بماذا تتميّز تجربتك في التصميم الجرافيكي عن غيرها من التجارب؟

تجربة التصميم هي بمثابة التجربة التي دخلتها بدافع الشغف المحض، واستمر الأمر إلى يومنا هذا، لم تكن تجربة كان عليّ القيام بها لأي سبب من الأسباب عدا أنها كانت عالما جميلا اكتشفته ووقعت في حبه.


-       كيف ترين التجربة العربية والجزائرية تحديدا في هذا المجال، وكذلك سوق العمل؟ هل يحقّق طموح المصمّمين المحترفين الذين يعتمدون على التصميم كدخل وحيد لهم؟

يمكن القول أن التجربة العربية مشرّفة في مجال التصميم الغرافيكي، خاصة منطقة الخليج التي تولي اهتماما مبهرا للمجال، تبقى التجربة المحلية الجزائرية ضعيفة مقارنة بما سبق وذكرته، لكن هناك بوادر التحسن، التي أتمنى أن تستمر بشكل أسرع ممّا هي عليه الآن، تبقى المشكلة التي علينا مواجهتها هي التوفيق بين فن التصميم وقيمته وسوق العمل، الذي عليه أن يفهم معنى هذا الفن وقيمته التسويقية والفنية في المنافسة العالمية.

لا يمكنني الجزم إذا كان سوق العمل المحلي يوفر للمصمم الدخل المناسب، خاصة المصمم المستقل، أرى أن الأمر يحتاج إلى نضج أكبر من طرف المصمّم والعميل على حدّ سواء، كتقنين الأسعار وجودة الأعمال وطريقة تصديرها وعرضها.



-       لماذا مهنة التصميم الجرافيكي في الجزائر غير منتشرة وذات قيمة تليق بها كمهنة مواكبة للعصر كباق المهن على غرار الدول الغربية مثلا، وكيف برأيك ننهض ونطوّر هذا المجال؟

على مدار عقود مضت، بقى السوق الجزائري يحوم حول المنتوج الواحد، الذي ليس له بديل، والذي لا يحتاج أصلا إلى تسويق لأنه الوحيد الموجود في السوق وفي المتناول، قد يكون هذا سببا رئيسيا في وجود فجوة واضحة في مجال التسويق والتصميم، إلا أن الأمر تغير في السنوات الأخيرة، كما أن الطموح بدأ يكبر في الوصول الى العالمية، وهذا يحتاج إلى جهد تسويقي وجمال في تقديم المنتوج كيفما كان نوع المنتوج، لذلك بدأ يظهر الاهتمام بالتصميم وجودة تصدير الأعمال وطريقة عرضها وتسويقها.


-       هل ثمّة جهات تعليميّة في الجزائر متخصّصة في التصميم لتكوين المصمّمين وتأهيلهم لسوق العمل أم أنّ التجربة الجزائرية تنصحر في المجهودات الشخصية؟

نعم من المؤكد أنها موجودة، كمعاهد الفنون الجميلة، كما أنه بدأت في الظهور دورات تدريبية في المدارس الخاصة، شخصيا لا أعرف عن الأمر الكثير، لأنني شخصية عصامية في المجال، ولم تكن لدي تجربة في أي مدرسة أو معهد، لكن يبقى الأمر مشابها لأي مجال كان، المجهود الشخصي يصنع الفرق مهما كان جودة ما تحصل عليه من معلومات في المدرسة أو المعهد، لكن الجدير بالذكر هو أن الدراسة الأكاديمية تختصر الوقت وتسهم في تنظيم الأفكار ووضع المصمم في السكة الصحيحة، بل أعتقد أن التعلم النظري مهم جدا بالنسبة للمصمم وعليه البحث عن مصادر أكاديمية محترمة يستسقي منها خبراته.


-       كيف تسوّق شروق بن مبارك تجربتها لجلب مشاريع عمل، أم لم تفكّر بعد لدخول سوق العمل؟

حتى يسوّق المصمم المستقل لنفسه، عليه أن يكوّن شبكة كبيرة من العلاقات، مع المؤسسات والشخصيات الفاعلة في السوق، وأن يحاول الدخول في التجارب التي توفر له الظهور والبروز كمصمم محترف، أيضا التواجد الالكتروني مهم، ووجود صفحات رسمية له، وحسابات محترمة في مواقع العمل المعروفة التي يستعملها كمعرض لأعماله ومشاركاته المختلفة، وما أنصح به بشدة خاصة لمن دخل السوق حديثا، هو المشاركة بأعمال تطوعية للجمعيات الطلابية والخيرية، والتي من خلالها سيجمع معرض أعمال محترم، وشبكة علاقات تدفعه للعمل بشكل أكثر احترافية، وأنا أعمل بما سبق وذكرته قدر الإمكان.

-       من خلال ما تعلّمتِه، برأيك ما هي المهارات التي يجب أن تتوفّر في مصمم الجرافيك، كنصيحة لمن يحبّ هذا المجال ويسعى للاحتراف فيه؟

الممارسة ثم الممارسة والتعلم الدائم، مع عدم إهمال فهم عملية التصميم بشكل نظري ليكوّن لديه ذوق فني معتّق.


-       تقدّمين دروسًا ونصائح طبية لزوّار صفحاتك، في قوالب مصمّمة بشكل احترافي، كيف تساهم موهبتك في التصميم في نشر الثقافة الطبية والصحية؟

موهبتي في التصميم الغرافيكي خدمتني بشكل كبير في حياتي، فهي كانت الورقة الرابحة في كل المشاريع التي دخلتها، ولأنني أعمل في المجال الطبي وأدرس فيه، من البديهي أن تكون لدي مشاركتي في مجال دراستي، والتصميم ساهم في خلق بصمتي الخاصة في هذا المجال، والتي تمخضت لحدّ الآن في ما أقدمه في صفحتي الطبية وقناتي الطبية.



-       أنت مهتمّة جدّا بالقراءة والجديد من الكتب، وحاضرة وداعمة ومساهمة للعديد من مشاريع دعم المقروئية، كيف ترين حضور الكتاب والقراءة في الجزائر، خاصة لدى الجيل الجديد والطلبة؟

لقد صار للكتاب والقراءة في الجزائر حضورا جدّ محترم، وبدأت تتكوّن لدى العامة من الناس ثقافة القراءة، أو على الأقل لم يعد حمل كتاب فلسفي أو أدبي أمرا غريبا أو مثيرا للسّخرية كما كان الأمر قبل سنوات، وهذا يدلّ على أن الجيل الجديد يدرك أهمية القراءة، ومن واجبنا أن نساهم في رفع وعي الشباب ومحاولة دفع عجلة الإنتاجية في هذا المجال.


-       لشروق بن مبارك مساهمات أدبيّة غير منشورة، ورواية "جسر من الوعود" واحدة منها، لماذا لم تصدر بعد، هل هو التردّد أم غياب الفرصة المناسبة؟ وكيف ترين واقع النشر وصناعة الكتابة في الجزائر؟

أعتبر تجربة الكتابة من أهم التجارب الحياتية التي قد يدخلها الإنسان، لما تحمله من عمق ذاتي وفكري، لطالما اعتقدت أن كتابة عمل متكامل من أصعب المهام الذي قد يقوم بها أي شخص، لكن ما اكتشفته بعد أن كتبت روايتي "جسر من الوعود" أن كتابة عمل جيّد لا يكفي لينشر وأن تصل رسالته، بل قد يصل الأمر إلى أن يكون الحلقة الأضعف مع قوانين النشر في الوطن العربي، الكتابة هي تجرّد الكاتب أمام قارئه وعلى قدر حساسية الأمر يشعر الكاتب أن العمل كطفل ولد حديثا وعلى الجميع مراعاته، لكن ما يحدث هو عكس ذلك، يدخل الكاتب في سباق محموم ليس فقط بعمله بل بتاريخه ومدى حضوره في الساحة الأدبية، وخاصة بما يملك من مال لصرفه على العمل طباعة وتسويقا، وهكذا تضمحل الفرص إذا كانت تجربته الأولى، إذا كان صغير السنّ، إذا كان لا يملك الملايين لتحمّل نفقة الطباعة وكل هذه الأمور تطلبها دور النشر لقبول العمل، وفي حالة تفوّق الكاتب بعمله الذي أظهر براعة كبيرة يبقى عائق المادة عائقا كبيرا وهذا ما حصل معي، لقد اصطدمت بعدّة عوائق حالت دون نشر عملي، الذي أرفض رفضا قاطعا نشره بشكل يقلل من قيمته أو نشره بشكل سيء فيعود عليه بالسلب، يبقى في آخر المطاف الهدف ليس الظهور أو النشر والسلام، بل كل العوامل مهمة للكاتب ولطفله الذي تشكل في أحشائه سنوات وسنوات فلا يمكن اهانته بأي شكل من الأشكال.


-       هل الكتابة تحقّق حريّتك، أم هي بالنسبة لك عالم الإنسان الحرّ؟

أرى أن الكتابة هي عالم الإنسان الحر وهي ما تحقق حريته، فالكتابة فعل مهم لأي إنسان يجيد الكتابة أو لا، فهو فعل يسهم في فهم الذات والاقتراب من عالم الأفكار وهذا يهذب الروح ويؤنسها بذاتها، ويجعل عملية فهم الذات أيسر، بغض النظر إن كان ما يكتب ينشر أو لا، فليس كل ما نكتبه نقوم بنشره، وليس المهم أن نفكر في نشر ما نكتبه بقدر ما نعي ونستوعب ما يمكن للكتابة أن تقدمه لنا.


-       تحاولين إضاءة بعض التجارب العربية في التدوين والتصميم والرسم والتعريف بها في الفضاء الجزائري من خلال حوارات تجرينها مع أصحابها ،ما الهدف من هذه المبادرة، وماذا تضيف لك؟

من المهم أن نخبر من أجاد شيئا أنه أجاده وأن نشكره عما يقدمه، فهذا يعزز قدرة الأشخاص في تقديم الأفضل، من الجميل أن يشعر الواحد أن رسائله تصل للآخرين، ومحاولاتي في نشر تجارب الآخرين عبر حوارات أجريها بشكل متواصل خدمة لها العديد من الأبعاد، كالتعريف بهؤلاء المبدعين، فرصة للتسويق لأعمالهم، منحهم الاهتمام الذي يستحقونه ودفعهم نحو تقديم الأفضل.


-       تخوضين مؤخّرا تجاربا في الترجمة باللغة الانكليزيّة، ماذا يعني لك فعل الترجمة؟ ماذا تترجمين، وإلى ماذا تسعين من خلالها؟

تجربة الترجمة هي تجربة فرضت نفسها ولم أسعى لها بشكل مباشر، فهي مرحلة مهمة وصلت لها، بعد الخوض في الكتابة التي تفرض على الكاتب القراءة المتواصلة بلغات مختلفة، تصير الحاجة لترجمة المحتوى الأجنبي ضرورة حتمية.

الترجمة مجال واسع وعميق وأسعى جاهدة للتعلم بشكل دائم ومحاولة المساهمة لإثراء المحتوى العربي عن طريق الترجمة.



-       التدوين، التصميم، القراءة، البحث المكثّف والدراسة، ومشاغل الحياة، وكلّها تأخذ وقتا وجهدا، من أين تستمد شروق القوة والوقت والإرادة للقيام والتوفيق بين كلّ ذلك؟

خلق الله سيدنا آدم عليه السلام خليفة له في الأرض، ونحن كبنو آدم لدينا ذات المهمة في أن نحاول أن نكون خلفاء جيدين لله سبحانه وتعالى، يبقى الهدف الأولى والأسمى هو رضى الله عزّ وجل، وكل أعمالنا الدنيوية إذا كانت تصب في منحى رضى الله فهي أهداف جيدة وجديرة بأن يسعى الإنسان من أجلها، فضّل الله جلّ جلاله الذين يعلمون على الذين لا يعلمون، واليد العليا خير من اليد السفلى، وفضّل العالم على العابد، كل هذا يجعل ما أسعى له جدير بالتضحية من أجله، تبقى أن الحياة لا تخلو من محطات الألم، ومحطات النجاح وكل محطة مهمة لسيرورة الحياة.


-       مشاريعك وخططك المستقبلية؟

لا أعرف ما تحمله الأيام لي، وأين ستأخذني أمواجها، يبقى أن ما أؤمن به هو أنه ليس للطموح حدود كما ليس للسماء حدود.

-       كيف ترين جزائر الحراك وما بعده؟

ما جعلني الحراك أعيه بشكل أكثر وضوحا، هو أن التغيير عملية مشتركة، يتشارك فيها الجميع وكل واحد من منطلق نفسه، الحراك أعاد لنا شعور أن وجودنا كمواطنين جزائريين مهم، ورأينا مهم، وما نريده مهم، بعد سنوات من العيش على الهامش في كل المجالات، إذن فهو قد أعاد لنا القدرة على الإيمان بالأفضل، وأن ما نسعى له هو عملية تركيبية يشترك فيها الجميع.


-       كلمة في ختام الحوار لقرّاء الحوار.

أشكر طاقم (جريدة الحوار) على هذه الفرصة، وسعيدة بتواجدي على صفحاتها.


* انقر على الرابط هنا، لقراءة وتحميل الحوار بنسخته الأصلية من جريدة الحوار الجزائرية بجودة عالية.

حوار مع الكاتب والمترجم ومُؤسِّس "مجتمع رديف" الأستاذ يونس بن عمارة على جريدة الحوار ~ْ

الكاتب والمترجم ومُؤسِّس "مجتمع رديف" الأستاذ يونس بن عمارة للحـوار: غاية مشروع "مجتمع رديف" الأساسيّة إضفاء قيمة اقت...