حين أمضيتُ مسائي الأخير في الرّيف .. لم يُحدّثني
الرّاعي حين التقيتُه هناك عن الأغنام وأسعارها ولا عن العلف أو الحرث ولا عن هطول
المطر .. لا عن موسم الحصاد الماضي ولا عن جرّاره الجديد .. لم يُحدّثني عن
السّلوقي الذي انضمّ مؤخرا ً لصرعوفة الكلاب التي تحرس زرائب الماشية ولا عن أسراب
الكُدري التي يلاحقها عادة ً وهو يرعى الغنم ولا عن أي شيء له علاقة بتلك البراري
، حَدَّثَنـِي فقط عن فيسبوك وآخر ... مستجدّاته !!!
المشكلة طبعـا ً ليست في استخدامه لفيسبوك فهو ليس حكرا على فئة ، المصيبة حين
يتجاوز ما يستحق من الاهتمام لدرجة تلويث أهم جانب من الحياة .. ألّا يمكننا
الاستغناء عنه حتى في لحظات لا يجب أن يكون جزءا منها كي لا تفقد روحها التي هي كل
شيء فيها !
الأسوأ من أعط لهذا الفضاء أكثر مما يستحق .. العقول الفارغة التي تجاوزت
بالاهتمام به من وسيلة تواصل إلى غاية .. وهم !
ككل مرة .. خيبتنا الأكبر التي يكشفها استخدامنا السيء لهذه الفضاءات وكلّ
الوسائل التكنولوجية أن جسور علاقاتنا مع كلّ شيء وافد من منابع روحية صافية في
الحياة مهترئة وقابلة للانهيار .. سطحية جدا وإلا ما انهارت بمجرد نفخة بسيطة من
موجة التكنولوجيا الضخمة ! .... خاصة علاقاتنا مع كل ما هو روحي أصيل وعميق الذي
لا بدّ أن يظل بعيدا عن شوائب الغربة التي تفرضها هذه الوسائل فيها ! ، وأنّ لدينا
قابلية رهيبة للتجرد من أي شيء مقابل هذه .. الأوهام ! ، ليست غريبة أبدا عن
مجتمعات يأخذ العقل فيها آخر الأدوار ! ~ْ
منير سعدي ~ْ