مساء الخير والمطر على رفاق السلام.. على رفاق الغربة والانتظار .. مساء الخير على الرّفاق العائدين إلى أشياء تسكنهم.. أشياء حولهم وفي ماضيهم البعيد يلاحقونها كسراب.. تستنزف أعمارهم وأفراحهم وهم يعرفون أنهم سيعانقون الموت حتما ً قـَبْل وصولهم .. قبلَ القبض عليها متلبّسة ً بهم ! ، مساء الخير على الرّفاق الأوفياء لذكرى تأبى أن تبقَ مجرّد ذكرى.. أوفياءٌ لهـا حدّ النزيف .. مساء الحبّ للرابضيـن على حدود عشقِهم يراشقون بالحرفِ غيومَه علّهـا تُمطرَ عليهم بعض الفرح .. الكئيـب ! ، مساء الخير على السُعداء والأشقياء والأغبياء والذين يحسبون أنفسهم أذكياء حين ركبوا موجة الضجيج الأخير وصنعَتْهم الأحداث ومازالوا يتوهّمون أنّهم يستحقون ما هُم عليه وما هُم وما هُم عليه بحقيقة !
كفاية مساءات ومقدّمات .. ماذا سأقول لكم عنّي الآن وقد قارب عمرُ غيابي أربعة أشهر .. هجرتُ الحرف عنوة ً منذ الخامس جانفي الماضي .. مُنذ ذكرى ميلادي الأخير بكثير من الخيبة والتساءلات ، رحلتُ من هنـا لأنني لم أكُن بخير وعدتُ لأنني لستُ بخير .. غادرتُ وعدتُ للسبب نفسه وبالضغط نفسه وبالرغبة نفسها في الانفجار !، عودتي اضطرارية يا رفاق وسأمنح الفرصـة مرّة أخرى للعنـة الغياب أن تلاحقنـي وتدفنني في غياهب الانتظار بعيدا ً بعد أن أفرغ قليلا ً مما في جعبتي من قلق جاثم على صدري على منصّة الانتحار هذه... على هذا الجدار الذي يكاد أن ينهار من حدّة البؤس !
على ما يبدو أنّني عدتُ لأنكِّـدَ عليكم قليلا ً وليسترجعَ النحيبُ نَبضَه في صفحتي وينثُرَ غبارَ الصّمت عن جراحـه ! .. تحمّلوني لبعضِ الحرفِ يا رفاق فلا يضرّكم تحمّل سواد حرفي فوق تحمّلكم لعقود هذا الوباء والجفاف العابر من كلّ منافذ ونوافذ الحياة في هذي البلاد شيئا!
رحلتُ من هنا رأفـة ً بكم أحبّتي..لاعنـاً التشاؤم والسواد والنواح على رأس هذه الحياة البائسـة.. رحلتُ لأبحث لحرفي..ولكم ..عن ألوان أخرى بهيّة تليق بقلوبكم وبوفائكم لهذا الحرف النازف بالقلق والاحتضار والتكوّم في أحضان الحزن !
نعم.. سافرتُ وسهرتُ وفكّّرت ُ بعقل .. وجنون.. صرختُ كثيراً ً وحطمتُ أشياء كثيرة من حولي لأشوّش على ذاك الروتين !.. اعتزلتُ كلّ شيء وأرغمتُني على قمع شغفي للكتابـة داخلي .. على الوحدة.. على خنق أنفاس حَرفي لعلّه يحيا مجدداً بروح ألوان قوس قزح وبعطر الأرض حين تعانق المطر.. يحيا بجذور أصله الذي كان قبل أن تصيبه سهام الخيبة والحسرة وانتظار ما لا يأت ِ.. أبدا ً !
فعلاً.. خرجتُ لأبحثَ لِحرفي..لكم..عن الفرح..عن ألوان الاحتواء..لأجني لكم بعض خيوط الأمل وأكواخ السلام وتغريدات التفاؤل وحقولاً من الابتسامات والعيون الحالمة والحُبلى بعشق الحياة !، لا أنكر أنني وجدت في طريقي الكثير من الجمال ومررتُ على الرّبيع وجمعتُ لحرفي..لكم..باقة من شقائق النعمان وورودا ً أخرى بكثير من الألوان والروائح ، تفاءلتُ بتلك الباقـة جداً .. صدّقوني حملتها بيدي وأنا سعيدٌ باكٍ من شدة الأمل.. كنتُ أحملها وكلّي حرص ألا تفلت َ من يدي وتنهار الحَيَوات الجميلة التي تحملها بين ألوانهـا وعطورهـا .. أمسكُ بها بشدّة ربما لأنني تعودتُ على فقدان هكذا أحلام فتيّـة قبل أن تولـد !
في عودتي إلى من أحبُّ ..إلى حرفي..إليكم .. من رحلة التنقيب عن الأمل وجني النبض..كانت الطريق محفوفة بأشواك الإهمال واللامبالاة والشك ومزروعـة بقنابل موقوتـة بالسطحية والغرور والنبش في جرح عميق ما فتئ يندمل بعد..حتى مظهره ! ، كلها تجمّعت حولي في لمح البصر وبدأ سوط اللوم المعادي للفرح بالجلد وكانت باقة الورود التي جمعتها أوّل ضحية تسقط شهيدة قبل أن تلحقها فرحتي التي تمّ وأدهـا ووأد ابتسامتها قبل أن تترنّح شفاهي لاحتضانهـا !.. تثاقلت خطواتي..تسارعت دقات قلبي بضيق شديد في صدري مغميا ً عليّ لأجدني أفقـتُ في بركة السواد ذاتها مجددا وحرفي ضاحكا في وجهي ضحكا ً هستيريا ً وكأنّه كان يعلم بنهاية هذه الرحلة التعيسة وأنّه من هذا اللون لا مفرّ يا رفاق .. لا مفرّ !
لا أعتقدني قادرا ً على نثر أوراق الفرح على ما أكتب هذه الفترة... تحمّلوا نزيفا ً داخليا ً أصاب غيمة حروفي .. وللنحيب أيضا ً أبواب حبّ وفرح لعلّنا نصادفهـا كما..ربما أتوهم ، ما يعزّيني أنني أحبكم ولو قلتها لكم باللون الأسـود .. لعل أجمل ما فعلته الفترة الماضية لقاء من أحب .. وتلبية دعوة صديقي رشيد أمضيت أياما ً رائعـة وأعرف أنني خذلتها وخذلتـُه بهذا المنشور الذي أتمنى ألّا يقرأه ، شكرا لكلّ من سأل عنّي طيلة فترة غيابي.. شكرا أكبر لمن لم يسأل وأهلا وسهلا رفاق المطر ~ْ
منير سعدي ~ْ
المنشور الأصلي على فيسبوك
-----------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق