الكاتب و المدوّن أحمد بلقمري لجريدة البلاغ الجزائريّة :
الكاتب و المدوّن الجزائري أحمد بلقمري |
التّدوين لم يبلغ مرحلة النّضج في الجزائر، و الفايسبوك خدم المدوّنين كثيرا
حوار: عبد القادر بوماتع
يكشف الكاتب و المدوّن أحمد بلقمري في هذا الحوار جانبا من واقع التدوين في الجزائر الذي يرى بأنّه ما زال في مرحلة النّضج، و اصفا إيّاه على أنّه عبارة عن حلقات للتعبير، للمواطنة.. مبرزا أنّ التدوين لم يميّع كون القارئ باستطاعته الحكم على مستوى المدوّنين و مدوّناتهم، كما تعمل الرّقابة الذاتية على التمييز بين الغث و السّمين من المدوّنات.
مضت خمس سنوات منذ دخولي إلى عالم التّدوين، أعترف أنّني لم أكن مدوّنا ناجحا حيث كنت أعاني كثيرا في مجال التقنية على الرّغم من امتلاكي موهبة الكتابة، كان عليّ أن أنتظر خمس سنوات حتّى تنضج فكرة التّدوين لديّ و تصبح مدوّنتي المنوّعة: مدوّنة أحمد بلقمري مدوّنة ناجحة، لقد اكتسبت في سنة تدوينيّة واحدة (سنة 2011 ) ما عجزت عنه طيلة أربع سنوات سابقة، حيث دخلت عالم القصّة القصيرة، و القصّة القصيرة جدّا، و الشّعر، و الصّحافة من الباب الواسع، بل استطعت من خلال مدوّنتي أن أكون مثالا يقتدى به للمواطن الصّالح الذّي لا يدّخر جهدا في تنوير الرّأي العام و المساهمة في تهذيب الذّوق.. لقد اكتشفت و اكتسبت من خلال تجربتي التّدوينية أشياء رائعة، التقيت بأناس لم أكن لأعرفهم لولا التّدوين، زرت أماكن مختلفة، تعلّمت أمورا عديدة، اكتشفت معنى المشاركة و تقاسم الأفكار و المعارف مع الآخرين، أدركت أنّ التّدوين فعل حضاري ينتمي للمواطنة حيث يقوم به الفرد لصالح مجتمعه الذي يعيش فيه، وهو كذلك فرصة ارتقاء الأفراد في مجتمعاتهم حيث يتخلّصون من القيود التي ولدوا بها و يشاركون في الشؤون و الحياة العامة، ويسعون للتعبير عن آرائهم الرّامية إلى تحقيق الحقوق الاجتماعية كالحقّ في التعليم، الصّحة، الشغل، وغيرها..
ما الذّي دفع أحمد بلقمري للتّدوين؟
يمكن القول أنّ رحلتي التّعليميّة إلى مصر فتحت عينيّ على أهميّة التّدوين في تطوير قدرات و مهارات الكتابة و التّفكير لديّ، عرفت حينها العلاقة بين النّص و الفكرة و أولويّة نحت الأفكار و تخزينها في الفضاءات الماديّة التّي لم تكن سوى أجدر المدوّنات الإلكترونية. على صفحة مدوّنتي الرّئيسيّة "مدوّنة أحمد بلقمري" وضعت شعارا يلخّص العوامل الثلاثة التي أثّرت فيّ و دفعتني للتّدوين، هذا الشّعار يقول:" هذه المدوّنة هي رحلتي في عالم الفكر، و رغبتي في التّحليل النفسي و حلمي الذّي أطارده و يطاردني..". إذن هناك رحلة و رغبة و حلم، و كلّ هذه المفاهيم لها دلالات الانتقال و البحث و الاستكشاف و التغيير، أمّا الفكر و التحليل النّفسي و الحُلم المُطارِد و المُطارَد فهي الفضاءات التّي أجد نفسي فيها باحثا عن الحقيقة.
البعض يصفُ كتاباتك بأنّها مُعقدة، وأنّك تخاطب النخبة؟..
فعل الكتابة هو فعل اقتناص ما أمكن من الفكرة العائمة في ساحات الوعي(اللّساني) و اللاّوعي(اللاّ-لساني)، هو فعل التّسجيل بمهارة و قدرة، لذلك قد نقبض أو لا نقبض على المعاني من حيث قدرتها على نقل التصّورات و المفاهيم. أمّا عن الجُمهور المتلّقي أو كما سميّته "النّخبة" فهو يتشكّل وفقا لمستويات النّماذج المعرفيّة المتواجدة في السّاحة الثقافية و التي تنمو طبيعيّا؛ الكتابة و القراءة فعلان يعزّزان إنتاج القيم، و يوسّعان مدى انتشارها فتنتج النُخب.
وما قصّة التّاريخ في مدوّنتك؟
التّاريخ هو لاوعينا العميق، هو ما يجب أن يخرج إلى السّطح فيعزّز انتماءنا و يبعث رغبتنا في الحياة، في المستقبل، في الوجود. التّاريخ هو ما يجب ألاّ يقاوم بقمع بداخلنا، لأنّه الحقيقة التّي تنير دروب الآغاد الحالمة. لذلك أجدني باحثا عن الحقيقة في كتاباتي التّاريخيّة.
كيف ترى واقع التّدوين في الجزائر؟، و هل مُيّع التدوين؟
التّدوين في الجزائر عبارة عن حلقات للتعبير، للمُواطنة، للمعرفة.. التّدوين هو شكل تعبيري لم يبلغ بعد مرحلة النّضج في الجزائر، اللّهمّ بعض التجارب التّدوينيّة الرّائعة التي استطاعت أن تصنع لها جمهورا دائما، و أذكر هنا مدوّنة "قرأت لك" لصاحبها قادة الزّاوي، مدوّنة "الفزّاعة" لصاحبها يوسف بعلوج، مدوّنة "دفاتر" لصاحبها يحيى أوهيبة، مدوّنة "صمت الثّورة" لمنير سعدي، و مدوّنة "دار الزّاوية" لصاحبها إسماعيل قاسمي، و مدوّنة "يومياتي" للمدوّن عبدو، مدوّنة"شجون" للمدوّنة أمينة عمروش، مدوّنات عصام حمود و غيرها. و لا أعتقد أنّ التدوين مُيِّع لأنّ القارئ يستطيع أن يحكم على مستوى المدوّنين و مدوّناتهم، كما تعمل الرقابة الّذاتية نوعا من التمييز بين الغث و السّمين من المدوّنات.
ماذا عن مؤلّفاتك.. أين وصلت؟
أحصي اليوم ثلاثة مجموعات قصصية(المجموعة الأولى بعنوان: نشيد القمري الحفيد، المجموعة الثانية بعنوان: نار، نور وظلام، و المجموعة الثالثة في جنس القصّة القصيرة جدّا)، ديوانا شعريّا في قصيدة النّثر بعنوان:"غربة عازف النّاي"، و كتابا في التّاريخ وُسِم ب: بليمور، قصّة حاضرة من قبل الميلاد، إضافة إلى رواية لم تكتمل بعد بعنوان : شهقة الأرض، ناهيك عن الكتابات و الأحاديث الأخرى في الأدب و السّياسة و علم النّفس.
لماذا تأخّرت إصداراتك؟
أعتقد أنّ أولويّتي الآن هي الاستثمار في الكتابة فحسب، أشعر بأنّني ممتلئ الحُروف و المعاني، كما أشعر أنّني بين فكّي: سُلطة الحرف و الرّغبة في إمساك المعاني بحرفية، لذلك أجدني لا أهتمّ بنشر أعمالي إلى الآن. هناك أمر أودّ الحديث عنه، قد يعود عدم اهتمامي بالإصدارات إلى غياب سياسة جادّة للنّشر و التوزيع في الجزائر تعنى بتسويق الكتاب و الترويج له، هناك أفول كبير و رهيب لأقلام جزائريّة شابّة مقتدرة جدّا. أمّا عن المقروئيّة فالشّعب الجزائري معروف بنهمه في القراءة، و من يقول عكس ذلك فهو واهم أو ناقم.
من هم الكتّاب أو المدوّنون الذّين يلهمونك أو تتابعهم؟
على المستوى الوطني تعجبني كثيرا تجربة محمّد ياسين رحمة، و تجربة يوسف بعلوج التّدوينيّة لانّها متميّزة باهتمامها بالمسرح و السينما، هناك تجربة قادة الزّاوي الذّي يطلّ علينا بقراءاته للكتب من خلال مدوّنته"قرأت لك"، كما أتابع ما يكتبه منير سعدي ، و توفيق التلمساني، و يونس بن عمارة. أما على المستوى العربي فتعجبني تجربة المدوّن المصري خالد ابراهيم.
هل تُشاطر الرّأي من يقول أنّ الفيسبوك سحب البساط من المدوّنات؟
أرى عكس ذلك تماما حيث استفاد المدوّنون كثيرا من الفايسبوك على اعتبار أنّه يساهم في انتشارهم بشكل كبير، الفايسبوك يقدّم خدمات جليلة للمدوّنين من حيث استقطاب جمهور قرّاء و زوّار جدد، و تطبيقاته المختلفة المدمجة في قوالب المدوّنات ساعدت على التكامل بين الفايسبوك و المدوّنات، و أعطت ثقة أكبر للمدوّنين على طريق استمرار تجاربهم التدوينية.
لقيت مؤخّرا حملة تعاطف و تأييد بعدما تعرّضت لتوقيف تعسفي بمقرّ عملك..أين وصلت الأمور؟
هناك إيمان قويّ لدى الشّباب(الأبناء) بضرورة التحوّل، شباب يرفض أساليب التّفكير و التّسيير القديمة و يرفض الوصاية( وصاية الآباء) على العقول. عندما يتمّ توقيف شاب كفء عن العمل تعسفيّا لمجرّد تقديمه رسالة لوزير قطاعه، فهذا يعني أنّ مفاصل الدّولة تعاني مرضا خطيرا و خبيثا يسمّى الفساد الإداري؛ البيروقراطيّة السّلبية تكاد تنهي حلم الدّولة الحديثة، و لا يمكننا الحُلم بجزائر المستقبل في ظلّ استمرار الوصاية على العقل و تقييد الحريّات، الصّراع بين الأجيال قد يأخذ منحى عنيفا من جديد لأنّ المجتمع الجزائري يعاني أزمة قيم.
كلمة أخيرة ؟
أشكرك كثيرا سيّدي على إتاحة هذه الفرصة لي، و أقول لكلّ قرّاء جريدتكم الغرّاء : ينقصنا أن نتعلّم، ندرُس فندرك، ونفهم دور كلّ واحد منّا في المجتمع الذّي نعيش فيه ويعيش فينا، لأنّ كلّ شخص مهم، و حياة كلّ فرد أهمّ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق