يوم الجهل ... أم العلم !؟
لماذا لا نسمي عوض يوم العلم ، يوم الجهل ، وسياسات التجهيل.. على الأقل من باب الإعتراف بأن هناك جهل كثير ومتجذر ، وجب استدراكه ، والبحث عن مرهم لاختزال أورامه ، علنا نقترب خطوة لندخل عصر العلم.. في زمن لا يرحم الجهلاء والسفسطائيين..
كل الدلائل والمعطيات تؤكد ، أننا نسير نحو سياسات لا يمكن إلا أن تؤدي بنا إلى مزيدا من الغرق في الأوحال ، والفساد المتجدد ، إن نحن لم نحدد وبدقة ما هو العلم..؟ وكيف نبني سياسات تجهيل تحت عنوان براق وجميل يسمى العلم..؟
حينما تجد نفسك أمام مفارقة لم يسبق وأن حدثت في العالم أو حتى في الجزائر ، في يوم العلم طلبة المؤسسات التعليمية في إضراب بسبب علاوات يطالب بها الإطار التربوي ، وفي نفس المؤسسة حفلة لـ “لشطيح والرديح” ، هل يمكن أن نتحدث عن العلم ، بمثل هذه الأوضاع الغريبة.. والعبث بمستقبل العقول و الأجيال ؟
عندما تجد الطالب الذي يدخل الجامعة ، يكتشف أنه أمام تقييم كارثي ، علامة نصف القسم لا تتجاوز[ 1 أو 0 ] وحين يحاول الأستاذ إعطاء ما يستحق الطالب ، تتحرك المنظمة الطلابية للمطالبة بتغيير الأستاذ لأنه بكل بساطة حاول إعطاء تقييم موضوعي لجهد الطالب ولفائدته ومستقبله العلمي وخاصة حين يكون التخصص في الكيمياء أو الفيزياء أو الرياضيات.. هي أمور واضحة تتطلب جد و جُهد مضني لا مجال للعبث أو الميل لعاطفة..(..)
وحين تجد الإعلام وبواسطة أحد الطلاب لا يتحرك إلا بناء على أجندات لإذكاء بؤر الفوضى والتوتر ، ومزيدا من الإفلاس للجامعة ، عوض رؤيا أخرى أكثر كفاءة ودقة ومهارة في الصدق الجرأة في التشريح ، فتوظف أحد المهملين حتى لا نقول شيئا آخر ليكون مراسلا يبحث عن بؤر توتر واضطرابات في أي مكان ، خدمة لأجندات قذرة ، وربما ماكرة ، وحين تبحث تكتشف أن المراسل طالبا قام يتجميد السنة ، و لا يتوقف من تكرار السنوات ، ليصبح مراسلا لجريدة بها يشنُ الحملات ضد هذا وذاك ، ويبتز مدير الجامعة لمصالحه الخاصة ، أليس لنا أن نحتفل بيوم الجهل وسياسات التجهيل ونكُف عن الحديث والكذب بيوم العلم.
2
وحين تكتشف أن المترشحين للبرلمان أهم هيئة تُشرّع لمصير أمّة إلا المرضى بحُب الكرسي أو المصابين بسرطان العجب والرياء عفانا وعفاكم الله من هذه الأمراض الفتاكة.. وبعد وصول الفرد للمقعد البرلماني ، يجد نفسه لا يفهم أصلا دوره في الهيئة ، ولا طريقة التصدي وبما يملك من خبرة تراكمية لمختلف المشكلات والأزمات والمحن بالعلم والكفاءة ، أليس لنا أن نعتبر مثل هذا جهل ، وليس هناك جهل أخطر منه.. لأن الموضوع يتعلق بتشريع قوانين ترهن مصير الملايين..لحضارة أخرى أم الهاوية والإفلاس لقدر الله..
فإذا بالمترشح يتحول إلى مجرد كائن لمهمة محصورة في رفع الأيدي وفقط ، لأن هناك من يريد أن تكون هيئة البرلمان على هذا الشكل ، أو عبارة عن مدرجات للتهريج..
وحين تعتمد العصبية والعروشية والحزبية الضيقة ، والنظرة المادية الماكرة التي تلغي العقل في خطوات تشكيل هيئة التشريع لمصير أمة ، هل يمكن ان نتحدث عن العلم..؟
العلم يا سادة ، ليس مجرد شهادة ، ولا هي خطبة رنانة ، ولا هو تكريمات و حفلات تحفها شطحات وقصائد عصماء مدوية ، العلم بكل بساطة ، كيف تكتشف وسط المشكل المعقد ، الجزئية البسيطة التي يمكن أن تحرك الجسم المعطل ، كالفيروس داخل الجسم السقيم.
وحين يعالم دكتور طب الأسنان الأعين قد يرتكب جريمة ، لأن دقة التخصص والدواء والتشخيص يختلف بين هذا وذاك ، وأي ارتجال يتحول الطبيب إلى مجرم بامتياز..والعكس صحيح الدقة والنصح قد تحول كل منهما إلى ماهر ومتحضر.. على هذا نقيس بقية كل مناحي الحياة..
العلم ، كيف يمكن أن يقتنع أبسط الناس في أي مجتمع أن له دور فاعل ضمن المعادلة البشرية رغم بساطته ، وليس بآلاف العاطلين وهم يحملون شهادات عليا ، بلا دور ، ولا رؤيا واضحة ، لأن الجميع وقع في فخ سرطاني خبيث أن العلم هو الشهادة العليا وفقط.. في حين أن الحقيقة غير ذلك..
العلم ، هو أن يخوض صاحب الدراسات العليا بأفكار حقيقة عليا وليست سفلى أو سافلة ، يخوض غمار ميدان البحث المعمّق لاكشاف حلولا لأعقد المعضلات الإجتماعية ، والبشرية ، وليس مجرد نقل واستيعاب نصوص بائدة أكل الدهر عليها وشرب ، أو نظريات غربية غريبة تتناقض مع سنن الكون وقيم مجتمع يحمل حضارة راقية..
ولا يلتقي التعصب مع العلم ، ولا الحقد مع العلم ، ولا التحزب مع العلم ، ولا الكبرياء والظلم مع العلم..
وكم من أستاذ أو دكتور في الجامعة ، قمّة في الجهل ، لأن أفكاره تنم عن عصبية مقيتة ، أي مناقضة لأدنى قواعد وأبجديات العلم ، وسنن الخالق.. وهذا أخطر ما يمكن تصوره في أبجديات العلم..وسياسات التجهيل المبرمج..
3
العلم ، أن نفرق بين الصحافة كباحثة عن الحقيقة ، والتصدي لمختلف أشكال الفساد وسياسات الإفساد ، والظلم المقنن و الإستبداد المتواصل ، بعيدا عن أي مراوغة أو تضليل ماكر ، وآلة الدعاية التي لا تضع من هم ، سوى مزيدا من المكر والمتاجرة بذمم وكرامة الأبرياء لفائدة البارونات و مافيا المال وسماسرة السلاح والنفط..
وبغير هذا فإننا أمام سياسات تجهيل متجدد من حقبة إلى أخرى ، ونحن نحفر حفرنا بأيدينا ونغطي ذلك بغطاء وهمي يسمى العلم.
في حين نجد أن أهم المشكلات ، والدساتير والحكومات لا تعالج إلا بلغة الشارع والمجازر ، و ليس بلغة العلم.. والعلماء..
العلم ، أن الإسلام لا ينبغي أن يتحول إلى مجرد لعبة أطفال أو مجرد شعارات وخطب رنانة ولحى سائبة ، بل هو دين حكمة و رحمة ، وبعد نظر ، أولى قواعده عدم إلغاء الآخر أو الذوبان في قيم الكائن الجاهل مهما كانت مرتبه ، وسياسات التجهيل ، لأن بالإسلام يمكن إدراك سنن الخالق في الإنسان ، واكتساب معارف التعامل مع أعقد مشكلات الحياة..
العلم ، هو أن تدرك بأن المال مهما كانت أرقامه مرتفعة فلكية فلا تمثل مجملة سوى جزء جد بسيط مما تملك ، ويملك كل فرد من نعم لا تعوض بمال وفي مقدمة هذه النعم ، نعمة العقل ، ولا أحد سأل نفسه كم يساوي هذا العقل بالدولار..؟ مائة مليون دولار ، مائة دولار..مائة مليار دولار.. وحين يضيع هذا العقل ، لو جمعنا كل ثروات العالم لا يمكن تعويضه.. ولكن القليل من يتفطن لهذا..
أي أن كل فرد يمتلك ما لا يعدل مال وثروات الدنيا كلها ، ولكن القليل من الخلق يدرك حقيقة هذه الميزة التي جعلت من الإنسان إنسانا لا كالأنعام ، يعني أن الفرد لا يشغل أهم قيمة به نخطوا خطوات العلم وهو العقل.. وقبل العقل هناك روعة أسرار ودلالات الغيب..
والرؤيا السليمة هي أولى خطوات العلم الصحيح.. وإلا فإننا ما زلنا غارقون وسط الأوهام والأوحال والأزمات نسبح في فضاء الجهل..وهي سننا تلاحقنا ولا تحابي أحد..
العلم ، أن نجد حلولا سريعة لمشاكل عصرنا بعلماء و دهاة الجامعات ومراكز العلم بدون جدال ولا صراعات أو أن تسيل قطرة دم واحدة ، وليس بالشارع ، والإضرابات ، والإضطرابات وما يسمى كذبا الربيع العربي ، في حين أن ما يشاهده الجميع هو ربيعا دمويا.. تديره قوى الهيمنة وشركات السلاح والدعاية بخيوط تحرك من وراء ستار..
لأننا بكل بساطة ما زلنا في زمن الجهل وسياسات التجهيل المقنن.. بعيدون عن أبجديات وأسس العلم الراقي.. الذي يبنى العقول وأسس الحضارة ، قبل الطرق السيارة..
إلى أن يثبت واقعنا عكس ذلك.
حاج داود نجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق