الاثنين، 26 ديسمبر 2011

مفهوم العلم .. ومفارقات الواقع / حاج داود نجار

 


- داود حاج نجار



1
أفادت دراسة قام بها فوج من الباحثين في مركز شمال إفريقيا للبحث و التدريب في الإعلام المعمّق أن 85 % من المشاكل المطروحة التي تعاني منها المجتمعات و المواطنون ، في مختلف أنحاء الجزائر ، أو حتى في سائر مناطق العالم الذي يشهد اضرابات و يوصف بالمتخلف تعود إلى سوء فهم و إدراك صلاحيات الهيئات والمؤسسات التي تمثل الشعب ، بدأ من المجالس البلدية إلى المجلس الشعبي الولائي إلى البرلمان ، و قد أجريت الدراسة على 1250 مستجوب بين ناخب و منتخب وأعضاء تنفيذيّين.
و تقول الدراسة التي أجريت في غرداية خاصة ، ومدن أخرى من جنوب الجزائر ، أن لجوء الناس إلى لغة الشارع للتعبير عما يعانون منه من مشاكل تتفاقم يوم بعد يوم ، هي أن ممثلي الشعب في هذه الهيئات لا يؤدون الدور المنوط بهم بفاعلية و صدق و تمكين ، و قبل كل هذا بعلمية ودقة ، و احترافية.
و تقول الدراسة أن 70 % في المائة من أعضاء هذه الهيئات ينشغلون بمصالح خاصة جدا ، وفي كثير من الأحيان تافهة ، و يهملون الدور المنوط بهم في إيجاد حلُول فاعلة للمشاكل والأزمات المتفاقمة ، و نقل معاناة الناس للهيئات ذات الإختصاص و الصلاحيّة ، ومتابعة طرق علاجها بعلم و موضوعية ورزانة، بل واحترافية.
بل الدراسة أكّدت أن 90 % من أعضاء هذه الهيئات لا يعرفون أصلا صلاحياتهم و لا صلاحيات الهيئات التي يوجدون فيها وربما يحصلون على مسؤوليات تتناقض مع تخصصاتهم ومعارفهم ، بل و يتقاضون منحة من خزينة الدولة و مال الشعب، و لذلك فهم لا يستطيعون فهم طرق و مهارات توظيف ما تتمتّع به هذه الهيئات من دور و صلاحيات ، بعلم وحكمة كما يفعل بقيّة الناس في كل المهن من السبّاك إلى الكهربائي.
و قام بالدّراسة فوج من الطلبة و الباحثين متطوعين من جامعات مختلفة في الجزائر في تخصصات علم الإجتماع و النفس والإتصال والإقتصاد و الشريعة.
و تؤكد الدراسة أن عدم معالجة هذه المشكلة بعمق – مشكلة سوء فهم صلاحيات الهيئات المنتخبة خاصة - قد تؤدي إلى تفاقم الأمراض وليس تعقد المشاكل فقط ، بل وتفاقم مرض ضغط الدم و السكر و ظاهرة الإنتحار والحرقة والتسول ، و حتى بعض الأمراض الخطيرة المعاصرة كالسرطان و الطّلاق ، كل هذه المشكلات الصحية و الإجتماعية هي نتيجة سوء فهم واستعمال الصلاحيات الموجودة فعلا لدى الهيئات المذكورة ، أي هي نتائج طبيعية وحتمية للجهل الواضح بمهمة هذه الهيئات ، مما يجعلها في حالة سكر أو تخذير دائم و مستمر ، و هذا يؤدي إلى مزيد من الشعور باليأس و القنوط لدى الكثير من المواطنين يتضاعف و قد يؤدي إلى كوارث فجائية.


2
و تدقّق الدراسة التي يؤكد أصحابها أنها مطروحة لمزيد من البحث و النقاش العلمي الواسع لتشير أن الديمقراطيّة التي يروج لها الغرب ، هي كذبة خادعة لا تؤدي إلا إلى مزيد من الأمراض و المصائب و النكبات إن لم يتم وضع حد لمختلف أشكال الهيمنة والإستحمار الممارس من طرف الدول التي تصف نفسها بالكبرى أولا ثم التّدقيق في فهم و إدراك الصلاحيات ، و حسن توظيفها ، و التفريق بين المصالح الخاصة و العامة.. لأن الإنسان الذي يملك قناطير من الأدوية فيما يسمى بالعلوم الدقيقة لا يعني أنه يعي طرق وضع كل دواء في موضعه ، أو إدراك مهارة اكتشاف المرض أو الوباء أصلا ، لأن الأمر يحتاج إلى متخصص ماهر أولا .. أكيد ثانيا : إلى أجهزة متطورة في التّحاليل والأشعّة للتوصُل إلى مكمن الداء ، ليسهل حينها علاجه.
وتُدقق الدراسة أنه من غير المعقول مثلا أن نجد في رئيس لجنة من لجان هذه الهيئات فرد ليس له أي علاقة بالملف الذي تتخصص به الهيئة ، كالصحة والعمران و التهيئة العمرانية و الفلاحة وهو أخطر ما يمكن تصوره ، في حين أن الزّمن زمن علم ودقّة ، و قبل كل هذا مهارة في المجال ، لماذا ؟ "لأن الحسابات السياسية لها علاقة بتقسيم مناصب و منافع ، استجابة للوبيات وجماعات الضغط ، و لا يهمها بعد ذلك مصير الناس".
والسياسة حسب منظرها تشير الدراسة دائما في حوصلة لأحد فصولها، تعني الغاية التي تبرر الوسيلة ، أي إن أردت الوصول إلى هذا الهدف على جثث أبرياء مهما كان عددهم فلا يهم ، المهم الغاية ، و هذا أخطر ما يمكن تصوره في السياسة ، و علم إدراة شؤون البشر ، و تحسين شؤون حياة الناس.


واستنادا إلى دراسات أخرى أكثر دقة في تحدد عوامل تفاقم بعض الأمراض المعاصرة ، فإن نمط الحياة يؤثر إلى درجة كبيرة على احتمال الإصابة بالسرطان ، و قال رئيس فريق باحثين آخر في بريطانيا البروفيسور ماكس باركين "يعتقد الكثيرون أن السرطان يعود إلى القدر أو العوامل الوراثية، و لكن بالنظر إلى الأدلة يتضح أن حوالي 40 في المائة من حالات الإصابة ناجمة عن عوامل نملك السيطرة عليها " ، و أن إدارة شؤون الناس بالسياسة و مهارة الكذب على الرأي العام ، و بقاعدة " الغاية التي تبرر الوسيلة" هي من العوامل القوية لارتفاع منسوب الأزمات و الأمراض والأوبئة منها حالات السرطان و ضغط الدم و السكر.
3
ومن جملة ما ورد في الدراسة أن في آخر بحث قام به فريق بريطاني فإن 40 في المئة من حالات السرطان المشخصة في بريطانيا [ 130 ألف حالة] تعود الى عوامل مرتبطة بنمط الحياة كاستهلاك الكحول و التدخين و السمنة.
و اتضح من الدراسة أن استهلاك الكحول ، و للتدخين التأثير الأكبر بين العوامل المذكورة، حيث هو مسؤول عن 23 في المئة من حالات السرطان عند الرجال و 15.6 في المئة عند النساء، يليه قلة استهلاك الخضار والفاكهة الطازجة عند الرجال و السمنة عند النساء ، و نشر التقرير في دورية British Journal of Cancer.
و يقول معدو البحث البريطاني الذي اعتمدته الدراسة إنه يتضمن التحليل الأشمل حتى الآن حول الموضوع.


و تضيف دراسة إدراك و فهم الصلاحيات أن الإعلام و الجامعة خاصّة ، على عاتقهما دور متعاظم في التدقيق في عملية النّقد و التحليل بكفاءة قصد تأهيل القدرات في مهارات فهم الصلاحيات ، و أن الإعلام الذي يتجه نحو الدّعاية فقط ، هو شكل من أشكال تجديد أنظمة الفساد والإستبداد ، خاصة ذلك الذي تهيمن عليه شركات نهب الريع و الهيمنة باعتباره أخطر مشكلة تواجه الإنسانية عامة ، و مدمّر للحياة المعاصرة ، يفترض الإسراع في علاج هذا الإنحراف الخطير ، بتفعيل مواثيق الشرف المهني ، و مجالس الأخلاقيات التي تقوّّي المهنة ، و تضعُف في حال إصابة هذه الهيئات بالشلل ، و أن الجامعة لا يجب أن تكون ساذجة و تركّز على موضُوع "مناصب الشغل" كهدف بقدرما يفترض أن تُدقق في مناهج و مهارات البحث عن حلول ناجعة و فاعلة بل و عاجلة لأخطر و أعقد المشكلات المعاصرة تعقيدا ، و الشغل هو جزء بسيط جدا من هذه المشكلات ، بل نتيجة لمشكلات أخرى قد تم إهمالها ربما قصدا لم يتم التدقيق في البحث عن سُبل علاجها بعلم و دقّة واحترافيّة.


و خلصت الدراسة بجملة : [ أننا نعيش عصر معضلته الأولى كثرة النّعم و الخيرات ، و تعدّدت فيه المؤسسات ، و الهيئات ، مع كثرة الفساد ، و لكن قلّ فيه العلم الرصين والإخلاص فيه ، و التمكين في مهاراته ، و في مقدمة العلوم ، علم إدراك صلاحيات كل هيئة لماذا وجدت أصلا ؟ ، و هل هي تؤدي دورها المطلوب بنصح و إنصاف و علمية و كفاءة ؟ أم هي بصدد نشر الوعي الكاذب ، و تضليل الناس لأن غريزة المصلحة الضيقة والجري وراء المناصب و المكاسب تحكُم مفاصل أفرادها ؟ و في مقدمة هذه الوسائل المدمّرة بالخلق حسب الدراسة دائما "إعلام الدعاية و التضليل "] الذي لا يهمه عادة التركيز على علاج هذه المفارقات و كشف مخاطرها باستمرار و بدقة..
و قد نعود إلى بعض تفاصيل هذه الدّراسة لأهميتها في وقت لاحق .


 


                                                  حاج داود نجار 


                                     عن موقع بزاف /  http://bezaaf.com/?p=507

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حوار مع الكاتب والمترجم ومُؤسِّس "مجتمع رديف" الأستاذ يونس بن عمارة على جريدة الحوار ~ْ

الكاتب والمترجم ومُؤسِّس "مجتمع رديف" الأستاذ يونس بن عمارة للحـوار: غاية مشروع "مجتمع رديف" الأساسيّة إضفاء قيمة اقت...