الثلاثاء، 9 فبراير 2016

لنا لغة ، هكذا تموت .. هكذا تحيا ! ~ْ


لنـا لغـة ، هكذا تموت .. هكذا تحيا ~ْ
                                             
منير سعدي


ممّا لا شكّ فيه أن اللغة من أهمّ ما يشكّل ويخلق هويّة الأمّة التي تربط كيانها بجذور ومرجعيات تحدّد المسار والعنوان والأهداف العظيمة لهذا الكيان ويحافظ على شخصيّته من خلال إحياء هذه اللغة بدمجها في تفاصيل حياة هذه الأمّة لخدمة مشاريعها بمختلف المجالات ، وكانت اللغة عبر التاريخ سلاحاً للشعوب للحفاظ على كيانها ووجودها ضدّ مشاريع الاضطهاد والاحتلال وزحف ثقافتها بدافع طمس الثقافات والهويات الأخرى لا بدافع الإطلاع والانفتاح عليها وتبادلها خدمةً للإنسانية وللعقل البشري ! ، ولو ألقينا نظرة على جزء بسيط من تاريخ الاحتلال عبر العالم لاكتشفنا أنّ أول ما سعت إليه قوى الاحتلال وبمراحل محاربة لغات الشعوب المحتلّة بشتى الطرق بالإضافة إلى أديانها لأنّ الأخيرة لها علاقة مباشرة باللغة وكلاهما من أهمّ ما يحافظ على كيان الأخرى ويحصّنها ويحميها من الزوال ! ، لاكتشفنا كذلك عديد الأمثلة التي تعطي لنا نماذجاً تاريخية للاستيلاء على لغات الشعوب وطمسها وتشويهها بإدخال تعديلات جذرية وفي مراحل على منهاج التعليم والتربية لدى هذه الشعوب بفرض استراتيجيات جديدة تخدم مصالح أجندات قوى الاحتلال لهذه الدول بنشر ثقافتها ولغتها ودينها ! .. سنجد أهمّها ومن بينها أنّ أوّل ما قام به الانجليز والفرنسيّون حين احتلال الدولة العثمانيّـة هو دراسة وبحث الأسباب والخلفيات التي صنعت قوة المسلمين ومهدت لانتشار دولتهم واتساعها عبر العالم .. وكان من بين أهمّ ما كشف عنه هذا البحث هو البداية المبكّرة للطفل المسلم في تكوين علاقة قويـة متينة بلغته وهويته العربية والإسلامية مع بداية عامه الثالث إلى السادس بقضاء أغلب أوقاته في المدارس القرآنية وحفظ القرآن الكريم والذي يحوي من اللغة العربية خمسين ألف كلمة بالإضافة إلى الأحاديث النبويّة وكذلك الشِّعـر وقواعد اللغة وكلّ ما يتعلّق بها وبثقافته العربيّة والإسلامية ويُكوّن بذلك وفي هذه المرحلة المبكّرة من عمره قدرة لغويّة وعقلية هائلة ومخزوناً معرفياً ووعياً كافياً لصدّ أي موجة مكر تحاول تضليله وتحييده والعبث بهويته والتشويش على علاقته بها وبكلّ مكوّناتها .. في حين أنّ الطفل الغربي كان يبدأ مشواره الدراسي بمخزون لغوي أقلّ بكثير ، بذلك هم عرفوا جيّداً أنّ من بين أهمّ أسباب صناعة هذه المعرفة اللغوية العظيمة والشاملة لدى المسلمين وسرّ العلاقة العميقة المتجذّرة المتينة بأصولهم وهويّتهم هي المساجد والمدارس القرآنية فسعوا إلى غلق هذه المدارس ومحاربتها بشتى الطرق في هذه الدول ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بإنشاء مدارس أجنبيّة .. كما نراها اليوم بأشكال مختلفة كما تسمى بالمدارس الحديثة ! .. هذه المدارس التي ينتسب إليها الطفل في عمر الستّ سنوات .. هذا الطفل الذي لم يعد يحفظ القرآن والشعر وألفية ابن مالك ويدرس قواعد اللغة العربية قبل دخوله المدرسة والمرحلة الابتدائية من التعليم .. هذا الطفل الذي لم يعد يملك في رصيده من اللغة خمسين ألف كلمة وأكثر .. هذا الطفل الذي يدخل المدرسة فاقداً لكنز من اللغة والثقافة في مرحلة لن تتكرّر في حياته كان يمكن أن يكوّن فيها ذاك الرّصيد العظيم في الثلاث سنوات الأخيرة قبل بدء مشواره الدراسي ! .. فاندثرت فكرة حفظ القرآن وتطوير قدرات الطفل اللغوية وصار يدخل المدرسة مباشرة ً برصيد ضعيف جداً من اللهجة العاميّة المحدودة والتي لا تصل لواحد بالمئة مما لو تلقاه في سنوات الحفظ والتعليم في المدارس القرآنية ! .. صار يدخل المدرسة برصيد لغوي ضعيف جداً حتى تبدو له اللغة العربية في المدرسة غريبة وأجنبيّة عنه كما يحدث اليوم للأسف ! .. وضاعت منه أهمّ مرحلة يمكن أن يكتسب فيها لغة يجيدها ويفهمها و يتحدثها بطلاقة وفصاحة في سنّ مُبكّرة ويُكوّن بذلك مناعة قويّة وصامدة أمام أيّ محاولة لتقليص دورها في تربيته وتعليمه وثقافته وحياته لصالح لغة أخرى ! ، بذلك نجحوا في جعل هذه اللغة غريبة في أوطانها وللأسف مازلنا لم ندرك حجم الخسارة والنكسة وتأثيرها التي مازلنا نعانيها اليوم .. و لم نباشر أيّ خطوة إيجابية اتجاه استعادة مكانـة وقيمة هذه اللغة لدينا ولم نبادر بشكل جِدّي ومستمرّ بما يعيد علاقتنا القوية والمتينة بها كما كان أسلافنا الأوّلون ! .. رحم الله ذاك الزّمن .. كان الطفل ذو الستّ سنوات عظيماً يتحدث بها بطلاقة وقبـل دخول المدرسة وتلقي أيّ تعليم فيها .
وفي السياق نفسه والتاريخ ذاتـه الذي نكتشف فيه جذور خيباتنا ومسقط رأسها نصادف كذلك تجارباً رائدة وذكية وعظيمة لدول عرفت كيف تحافظ على لغتها رغم كل الصعوبات والضغوطات آنذاك وهي تحت الاحتلال أو الانتداب ..وتفطّنت في الوقت المناسب وقبل فوات الأوان لخطط أجندات المكر التي سعت لتجريدها من هويّتها وطمسها وإغراقها بثقافتها ومشروعها الاحتلالي ، ومن أهمّ الدول التي يحدّثنا عنها التاريخ في هذا الشأن هي اليابان بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية والتي اشترطت استثناء التخلّي عن اللغة اليابانيّة في معاهدة الاستسلام واستبدالهـا باللغة الانجليزيّة .. وافقت على كلّ شروط تلك المعاهدة إلا شرط استبدال لغتهم بلغة أخرى  .. لأنهم كانوا يدركون جيّداً أن خسارة التنازل عن كل الأسلحة والأموال والثروات لا تساوي شيئاً أمام خسارة التنازل عن اللغة .. أنَّ بإمكانهم استرجاع كل شيء إلا اللغة لو تخلوا عنها وباقي حصون هويتهم وثقافتهم وتاريخهم ومرجعيتهم ! .. يدركون جيداً معنى التمسّك بالهويّة اليابانيّة على رأسها اللغة الأصليّة إيماناً منهم بأهميّتها في الحفاظ على هوية أمّتهم وشخصيّتها .. لتدرك أمريكا في وقت متأخر الخطأ الذي ارتكبته حين الموافقة على طلب اليابان آنذاك بعدم التنازل عن لغتها الأصلية ورفض استبدالها باللغة الانجليزيّة ، لتعود اليابان إلى عظمتها وقوتها عملاً وإخلاصا إلى الواجهة في ظرف نصف قرن ! ، كأنهم قـد تلقـّوا صدى هذه الكلمات الصميميّة ومعناها والتي تُنسب لشاعر صقلّي اسمه إجنازيا بوتينا من قصيدة " لغة وحوار "  :
( ضع شعباً في السّلاسل
جرّدهم من ملابسهم
سدّ أفواههم
لكنّهم مازالوا أحراراً
خُذ منهم أعمالهم وجوازات سفرهم
والموائد التي يأكلون عليها
والأسِرّة التي ينامون عليها
لكنهم مازالوا أغنياء
إنّ الشعب يفتقـر ويُستعبد
عندما يُسلب اللسان الذي تركه له الأجداد
وعندئـذٍ يضيعُ إلى الأبد )
هكذا تفادى اليابانيّون السقوط والضياع الأبديّ بالحفاظ على أهمّ مقومات هويّتهم وحضارتهم الإنسانيّة وهي .. اللغة .
ولكوريا الجنوبيّة كذلك هي الأخرى تجربة رائدة وعظيمة في استرجاع مكانـة لغتهم ودورها بعد الحرب العالميّة .. بعد أن تراجعت بشكل رهيب إثر فرض الاحتلال لغة بلاده في المدارس الكوريّة .. وذلك بدعم مشروع التربية والتعليم وإعطاء هذا القطاع الاهتمام الأوّل وتوفير كافّة الإمكانيات للنهوض به لغةً وعلماً وثقافة وتربية .. ومن أهمّ ما ركزت عليه كوريا في هذا المجال اشتراط المستوى اللغوي والأدبي الرّفيع لدى المتخصّصين في تعليم اللغة للأطفال .. كذلك دعم تعليم اللغة بالانفتاح على الفنون كالمسرح مثلا كأداة فاعلة ومؤثرة في ترغيب الطفل وتقوية علاقته باللغة الكورية الأمّ ! .. كذلك عن طريق الإعلام بصناعة محتوى إعلامي موجّه للأطفال باللغة الكورية الفصحى بالإضافة إلى صناعة الكتاب في كل المجالات وتوجيه الطفل إليه بتوفير المكتبات مجاناً .
للصينيين كذلك مشروعهم العظيم في حماية وتحصين لغتهم باعتمادهم على الفنون الأدبيّة حفاظاً على اللغة هويةً و ثقافةً .. وكان الطفل الصيني حافظاً للشعر كباعث أساسي لعشق اللغة الأمّ وامتلاك رغبة منذ الصّغر في الإطلاع على كلّ ما يُجذّر ويُعمّق علاقته بهـا ويفتح أمامه آفاقا جديدة لأن يكتشفها ويبرع ويتميّز فيها أكثر .. إيماناً منهم أن فرصة الطفل في الحفظ لا تعوّضها أيّ مرحلة أخرى ، وكان الشِِعر لدى الصينيّين من أهمّ ما يمكن أن يحافظ على كيان اللغة وقيمتها وجماليتها في ثقافتهم .. وقال في ذلك أحد الشعراء الصينيين : " لو كانت اللغة فحماً لكان الشاعر هو الشخص الذي يوقد هذا الفحم و لكان الضياء في ألسنة اللهب هو الشِعر الذي يضيء القلوب " ، ولم يقتصر مشروع الصينيين في حماية اللغة وتطويرها على الأطفال بل في كلّ مراحل التعليم حتى الجامعة بإنشاء معاهد تحافظ على هذا المشروع القومي وتُبادر بما يدعم مساره وأهدافه .
لنعود أدراجنا إلى واقعنا الآن .. لنُلْـق ِنظرة على أحوال اللغة العربيّة في بلادنا مقارنةً بهذه التجارب التي مررنا بها عبر التاريخ لحماية اللغة وصناعة وعي ثقافي وإنساني وحضاري تجاهها .. ولنتساءل .. ما الذي فعلناه لخدمةً اللغة العربية بعد مائة وثلاثين عاماً من الاحتلال الفرنسي الذي حاربها بشتى الطرق .. بعد حقبة احتلال من محاولات الإقصاء والتهميش والطمس والتشويه خدمة لأجنداته وللثقافة الغربيّة ! .. ما المشروع الذي خضناه لردّ الاعتبار لهذه اللغة .. وقد وصلنا إلى مرحلـة من الضياع والغياب والسّقوط والانسلاخ لدرجة صار التحدّث باللغة الأجنبيّة فخراً وشرفاً وقيمة ً مهما كان جهلُنا بلغتنا الأمّ كارثياً ورهيباً .. لدرجة أن صارَ الخطأ في التحدّث باللغة الأجنبيّة عيبٌ وعارٌ ومُسيءٌ لصاحبه أمّا الخطأ في التحدّث باللغة العربية ..باللغة الأمّ عادي وطبيعي جداً ولا حرج فيه !
ما الذي حدث حتى استمرّ مشروع تغييب اللغة العربيّة ومحاولة طمسها وجعلها غريبة في وطنها لِما بعد ( الاستقلال ) ، ما الذي حدث ويحدث حتى يقول أحدُ خرّيجي مدرسة بن بوزيد وبن زاغو أنّه سيُغيّـر كتابة اسمه في مواقع التواصل الاجتماعي من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسيّة تفادياً لاستهزاء أصدقائه به وتفاديه بسبب ذلك ، ما سبب هذه النكسة يا ترى !؟
لماذا عِوض أن نسمع عن إضافة مرحلة أخرى لما قبل مرحلة التعليم الابتدائي لتنمية قدرات الطفل في اللغة العربيّة كي يستوعب الدروس دون أن يتلقى صعوبة وتتكفل بذلك الأسرة أولا ومؤسسة التعليم معاً .. لنسمع عوض ذلك عن نوايا للاستنجاد باللهجة العاميّة والتي كانت أصلا مُدرجة في المدرسة بلا قانون ! ، و هُم كانوا قبل اللغة قد حطّموا مفاهيم التلميذ وطالب العلم والمدرسة ككلّ وأفرغوها من محتواها وكذلك الأسرة وإلا ما وصل حال المجتمع إلى هذا الحدّ الرّهيب من التخلّف والمأساة والشّتات والغريب أن نستغرب الأمر ونحن أنفسنا الذي ندّدنـا بذلك وقد مرّت تعديلات و " إصلاحات " شيطانيّة على منظومة التعليم وكنّا صامتين .. بل ربّما لم نسمع بذلك أصلا ! .. وأتذكّر الآن أننا لم نسمع من المعلّمين حين تلقّينا الدروس كلاماً بالعامية فقط بل بلغة الأسواق بشتائمها وحقارتها وقذارتهـا !
ما الذي حدث حتى مرَّ مشروع " إصلاحات " بن زاغو الذي ضرب المنظومة التربوية في صميمها بسلام .. وما الذي حدث حتى صار أطفالنا بعدها يدرسُون حياة مُغنية استعراض ويُمتََحنُون بأسئلة حول حياة مغني راي !
ما الذي حدث ويحدث يا ترى حتى وصلنا لدرجة أن يزور بلادنا رئيسٌ أجنبيّ ويُخاطب شعبَنا بلغةِ " بلاده " ليعتلي وزير دولتنا المنصّة بعده ويخاطب من داخل بلاده شعبََ هذا الضيف باللغة الفرنسيّة والتي من المفروض ليست لا لغة بلادنا الرسميّة ولا لغة بلاد ضيفنا الكريم .. وأنْ يتحدث وزير خارجيّتنا في الولايات المتحدة بالفرنسيّة التي ليست لغتنا الرسمية ولا لغة تلك البلاد ولكنها طبعاً لغة من أرادوها أن تكون اللغة الأولى ! ، و هم الذين يُحدّثون ضيوف بلادنا عن الاستعمار الفرنسي وعمّا اقترفه من جرائم ضدّ شعبنا وأرضنا وديننا و لغتنا .. عن الثورة الجزائرية المجيدة وعن الشهداء الأبرار ومسيرة النضال والكفاح لتحرير الوطن وللحفاظ على الهوية ... باللغة الفرنسيّة ! ، وما الذي حدث ويحدث حتى يستقبل تلاميذ مدرسة من مدارس بلادنا وزيرة تعليم أجنبيّة بأنشودة باللغة الفرنسيّة .. ما الذي حدث حتى نتساءل عن وعود المسؤولين للشعب .. عن الأموال التي نهبوها وهرّبوها .. عن البطالة والسكن وعن تأخّر محاكمة رموز الفساد وعن سرّ صمت الحكومة عن غلاء الأسعار وأوجاع المواطنين ولم نتساءل ونستفسر غيرنا وأنفسنا عن اللغة العربيّة وماذا فعلنا وفعلوا لأجلها وهي في أزمة حقيقيّة غريبة سجينة في وطنها !
ماذا تُخبرنا كلّ هذه التساؤلات وماذا يخبرنا هذا الواقع بكلّ خيباته إلا بحقيقة المشروع القائم لحماية وتحصين هذا التغييب والطمس والانسلاخ عن كل مقومات الحضارة دينياً ولغويّاً وثقافياً ، هُم ببساطة عرفوا الأركان الحقيقيّة التي تؤسس للحضارة .. يدركون أيّ ركائز ٍٍ بسقوطها تنهارُ الأمّة .. اللغة والمدرسة والأسرة والمسجد .. فالاحتلال ركّز على مدى عقود من الزمن على انتهاك المدرسة المحصّن الأساسي للغة وحاميها وإفراغها من محتواها وحاول انتشالها من جذورها وتغيير وتحريف وتشويه مرجعيّاتها وأصبحت مجرّد مظاهر وهياكل مثيرة للشفقة مثل الأطلال .. وتفرقة وتشتيت الأسرة .. نواة تكوين مهارة اللغة والثقافة والأخلاق واندثر ذاك الرابط الروحي الذي يبعث دورها في بناء المجتمعات بإنسان حقيقي أصلي غير مشوّه بسُموم المكر والتضليل ! ، أسقطوا المساجد من مبادئها وأهدافها ومحتواها ودورها الحقيقي وأصابها مكر الأجندات السياسيّة وتحوّلت إلى أدوات لصالحها لحماية وتحصين الجهل وحشو مرتاديه بالقابليّة لهذا النمط البائس المأساوي الهامشي للحياة ، المساجد هذه المؤسسات الرئيسيّة التي كان لها دورها في الاستثمار في البشر وبناء المجتمعات وتطور الحضارة ككلّ المؤسسات الدينيّة في العالم .. لم تعد كذلك .. لم تعُد تلك الفضاءات العظيمة التي يخرج منها الطفل جبّاراً فكراً ولغةً وديناً كما كان .. عملاً بمقولة الحشو والركود " إذا كنتَ بين يديّ شيخ فكُن كالميّت " ! .. شأنها شأن المدرسة والأسرة المفككة والمُغيّبة ! وتحوّلت في أغلبها إلى منابر خطب ثرثرة وسطحية ودروشَة ومُراوحة في المكان .
وواصل احتلال ما بعد الاحتلال مهمّة استنزاف الإنسان هنا بالطريقة نفسها ثقافة ً ولغةً و أخلاقاً .. ليستمرّ اضطهادهم أسوأ وألعن لأن ذلك مع الأسف يأتِ في ظلّ " الاستقلال " وتحت شعارات بناء الوطن والحرص على مستقبله !
إذن ممّا سبق نصل إلى نتيجة مهمّة مفادها أن تحرير اللغة وكل مُكوّن رئيسي لهويتنا العربية والإسلامية من تحرير مؤسسات الأسرة والمسجد والمدرسة .. استرجاع قيمتها ودورها ومكانتها في حياتنا من استرجاع قيمة ودور هذه المؤسسات التي تُشكل أركان الأمة وكيانها الحضاري .. وكل منها حجر زاوية لا نهضة بدونه ، وحدها تتكفّل بهذه المهمّة بالإضافة إلى مؤسسة الإعلام والتي صارت اليوم محرّك رئيسي وأداة لا غنى عنها في أيّ مهمة مهما كان مجالها .. ومتحكم رئيسي في تكريس وتثبيت أي مشروع كما نرى اليوم عبر العالم ، وتحريرها من أيدي المستبدّين والمستغلّين الأكثر خطراً على الحياة والإنسان ، إعادة المسجد إلى دوره الحقيقي .. المسجد الذي كان الطفل يخرج منه في سنّ السادسة حافظاً للقرآن الكريم وللحديث والشعر ولقواعد اللغة .. كذلك المدرسة بالحدّ من هذا التناقض الرّهيب بين محتوى منظومته التعليمية وبين هوية وثقافة هذه الأمّة .. كذلك استرجاع دور الأسرة الأهم على رأس المؤسستين السابقتين .
هكذا قد نتمكّن من استرجاع إنساننا المشتّت المغيّب بقشور الحضارات والثقافات الأخرى .. استرجاعه حرّاً أصيلاً غير مشوّه بسموم أجندات المكر والتضليل .. استرجاع لغتنا العربية بمكانتها ودورها الحقيقي في حياتنا علماً وثقافةً وفضيلة .. ولنتذكّر رغم ذلك أنّ اللغة مسؤولية الجميع .. مسؤولية الكيان الذي نشكّله جميعاً كإنسان .. لنتذكّر في تفاصيل حياتنا من تواصل وحديث وكتابة وقراءة وسفـر أنّ ..  # لنـا _ لغـة ~ْ


                                                                   منيـر سعدي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حوار مع الكاتب والمترجم ومُؤسِّس "مجتمع رديف" الأستاذ يونس بن عمارة على جريدة الحوار ~ْ

الكاتب والمترجم ومُؤسِّس "مجتمع رديف" الأستاذ يونس بن عمارة للحـوار: غاية مشروع "مجتمع رديف" الأساسيّة إضفاء قيمة اقت...