في السابق كان ينتابنا الخوف و الهلع بمجرّد أن نسمع إنسانًا واحدًا قتِل في مكان ما و لو كان بعيدًا جدّا، نشعر بألم المجازر من دون أن نراهـا، حتّى صرنا اليوم نتابع المجازر على المباشر و نشاهد بدم بارد فيديوهات عمليات الذبح للبشر التي تعرضهـا القنوات بحجّـة “الحقيقـة!”، مشاهد بشعـة ترتكبها أطراف عدّة بمن فيها بعض ممّن يسمّون بقوانين إعلام الدعاية ” مجاهدين ! “.. و أصبحت لنـا قابلية للدماء لدرجـة رهيبة تجاوزت كلّ الحدود و الاحتمالات !
هذا النوع الطاغي الدموي من الإعلام نجح في غايته التي سطّرتها الأيدي المهيمنة عليه، و التي لم تعد خفيّة إلّا لمن لا يزال متوهّمًا غاية تكريس ثقافة الدماء و قابلية الشعوب للمزيد من الصراعات و كلّ أنواع الدمار، التي لا تخدم في الأخير إلّا تلك الأجندات و من دون أن تفكّـر لحظة واحدة أن تقول : ” كفى و لا للمزيد من الدماء و الدمار !“، بل عن طريق الأحداث المتراكمة التي تدور حوله و بما يتفنّن هذا الإعلام بكلّ أنواعه و بطرق مختلفة لا تكاد تكتشفها لمهارة مكرِها و خداعها بعرضه و تكراره بدقة و مكر عالٍ لصور الجثث و الدماء و المجازر، لا تجد حتّى الفرصـة لتفكّر مع نفسك فيما يحدث و تشغّل عقلك تجاهه بما يتوافق مع مبادئك الإنسانية، و تكتشف حجم التآمر القذر و المكر الذي يُعدّ للإنسان الذي كرّمه الله تعالى بالعقل الذي تاه وسط هذا الزحام المفتعل.
و أغلب وسائل الإعلام ” العربية ! ” اليوم لا تُجيد في ظلّ الأحداث المتراكمة إلّا نقل باستمرار و بسرعة هائلة أعداد الضحايا الذين يسقطون، و محاولة إذكاء الصراع و النبش في بؤر التوتر و النزاع بكلّ الإمكانيات عن طريق الاستثمار ببشاعة في أيّ حدث قد يحقق المزيد من سفك الدماء !
بفعل الهيمنة عليه انحرفت غاية هذا النوع الطاغي من الإعلام من البحث عن الحقائق لأجل التنوير و السلام و البناء إلى الدمار و الفتنة و المجازر، هم ينجحون في تحقيق أجندات المكر و الهيمنة على العقول و تكريس أبعد حدود القابلية للابتعاد و التيهان عن مواطن الحل و الانطلاق الحقيقي، و داء المكر و التضليل و قرصنة العقول ضرب الأهم فينا و هي”النخبة!” أو من يتحدثون باسم الأمة باسم الإنسان ممّا يعني أنّ داءنا أسوأ و أعقد ممّا نتصوّر بعدما كشف عن حقيقتها هذا ” الرّبيع ” كما أسقط هذا الكمّ الهائل من الأقنعة و لعلّ هذا ما نعترف به
الحل الآن لأجل تحقيق الهدف في الوصول إلى الحقيقة هو تحرير العقول من التبعية و السطحية و الانصياع خلف الأوهام و الأكاذيب، و إعادة تفعيل دورها و تصالح الإنسان معها كأداة عظيمة تنير الطريق و تميّز بين الحق و الباطل، و تحرير الإعلام من أيدي المُستغِلين و المستبِدين، فتحرير الإعلام هو تحرير الحقيقة و تسليط الضوء الحقيقي و ليس ” الوهمي” على ما يحدث في الواقع .
منير سعدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق