مخبر قضايا
الأدب والثقافة الشعبية والترجمة بجامعة الجلفة
يناقش المنطق الضبابي
- د.
الطيب بلعدل: نسعى من خلال هذه الندوات إلى كسر تلك الإشارات السلبية للعلوم
الإنسانية والتصورات الساذجة على أنها بعيدة عن العلم والدقّة والتكنولوجيا.
- د.
عمر رتيمي: وجود المنطق الضبابي أو الغامض في اهتماماتنا
ودراساتنا نعلو به على مخاوف اتخاذ القرار، ونسعى معه لتفادي الاضطراب والقلق
من جهل الحاصل وسوء الحادث الطارئ.
- عميد
كلية الآداب د.عبد الوهاب مسعود: نلتزم بدعم النشاط
العلمي والثقافي بالكلية وتوفير كل الإمكانيات والظروف التي يتطلبها العمل
الجادّ والمحترف.
- د.
نور اليقين رحال غربي: مداخلات الحضور أحالتني إلى البحث في الموضوع
من زوايا جديدة، أهمّها علاقة الضبابية بمصطلحات
العلم الصوفي.
- نظّم مخبر قضايا الأدب
والثقافة الشعبية والترجمة التابع لكلية الآداب بجامعة زيان عاشور بالجلفة ندوة
حوارية علمية بعنوان "تنازع أصول مفاهيم المنطق الضبابي بين العلم
والفلسفة"، استضاف فيها الباحثة الدكتورة نور اليقين رحّال غربي من جامعة
باتنة، وما ميّز هذه الندوة عن سابقاتها هو الحضور المتنوّع والمختلف من طلبة وأساتذة من كلّ التخصصات،
الأدب والفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع والنفس والفيزياء والإعلام والرياضيات
والإعلام الآلي والقانون وغيرها، والنقاش الحادّ الذي لم تشهده كلية الآداب من قبل، ولعلّ السّبب يكمن
في طبيعة موضوع الندوة الذي كان مختلفا وغير روتيني كما جرت العادة، وكذلك يُعنى
بكلّ التخصصات ومن زوايا مختلفة، وهذا ما اتضح جليا من خلال النقاش المفتوح بعد
المحاضرة.
بعد آيات من القرآن الكريم تلاها الأستاذ ثامر معمري إمام المسجد العتيق، استهلّ منشّط الجلسة افتتاحه لها بالتنويه بهذه المبادرة التي يشرف عليها المخبر، وبأنّها تؤسّس لمرحلة جديدة بعد قطيعة وغربة عرفتها التخصصات فيما بينها داخل الجامعة نفسها، وكانت بمثابة الجزر المتفرقة، وكان الحافز الذي أحيته هذه الرؤيا الجديدة للنشاطات العلمية والثقافية بكلية الآداب بادٍ على وجوه الحاضرين من مشرفين وضيوف.
- البشر في مجال معاملاتهم يحيط بهم اللون الرمادي من جميع الاتجاهات؛ لأن المعلومات غير كافية ولا تتسم بالدقة المطلوبة، ومع ذلك يستطيع هؤلاء الناس ابتكار الحلول لما يواجهونه من مشاكل ومواقف غير مسبوقة، وكذلك يمكنهم صنع القرارات رغم عدم الدقة ونقص المعلومات واحتمال ظهور ما لم يكن بالحسبان، فالإنسان في تفكيره اليومي يمكن أن يضع حلولاً تخالف الحلول التي يمكن أن يصل إليها عن طريق المنطق ثنائي القيم، الذي تكون قضاياه إمّا صادقة أو كاذبة ولا ثالث بينهما، ولعلّ هذا ما عبّر عنه أرسطو بأحد أبرز قوانينه وأكثرها إثارة للجدل في تاريخ المنطق وهو قانون الثالث المرفوع، ومفاده أنّ الشيء إما أن يكون أ أو ليس أ ولا ثالث بينهما، وقد نجد في الحلول المخالفة للقيم الثنائية الكثير من الإبداع لأنها تتناول العديد من الاحتمالات، ومن هنا جاء المنطق الضبابي على يد العالم الأمريكي- الإيراني الجنسية لطفي زادة، بثورة على الوضوح، القائم علي اللايقين، أيّ علي المنطقة الوسط بين الصدق والكذب أو بين الواحد والصفر، وسمح بوجود بدائل عديدة وليس بوجود بديلين فقط، فالعالم من حولنا ليس إمّا صوابا أو خطأ، وليس إما أبيضا أو أسودا، بل على العكس فإن العالم من حولنا يضم الخطأ والصواب ويضمّ الأسود والأبيض معًا، وما بينهما من درجات، ومن هنا كانت الثورة الكبرى على قانون الثالث المرفوع، والذي أدّى بدوره إلى كثير من المفارقات المنطقية يحاول المنطق الغائم أن يتجاوزها وذلك من خلال السماح بتدرّج القيم المتصل وليس بتعددها، فالدافع الأساسي إذن لظهور المنطق الغائم هو الحاجة إلى إطار مفهومي يمكن أن ينطبق على موضوعات اللايقين وعدم الدقة، فالمنطق الغائم هو منطق اللغات الطبيعية أو منطق الحياة اليومية المتسمة بالغموض وعدم الدقة واللايقين، في حين أن المنطق الكلاسيكي هو منطق اللغات المثالية الرمزية المتسمة بالدقة التامة، وهي لغات لا يمكن التحدث بها.
وإزاء هذا المنطق الضبابي أو منطق الضبابية كما أرادت ضيفة الندوة ترجمتها، الذي هو منهج للتفكير يماثل التفكير البشري طالما أنه يسمح بالقيم والاستدلالات التقريبية والبيانات الغامضة والناقصة حاول باحثو الذكاء الاصطناعي استخدام هذا النسق لتقديم إطار مفهومي ملائم لإدارة اللايقين وعدم الدقة في مجال تطبيقاتهم التكنولوجية، وتعتبر النظم هي أحد أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي استخدمت المنطق الغائم، ومن ثم ظهرت العديد من تقنيات النظم الخبيرة الغائمة التي تحاكي طريقة تفكير الخبراء البشريين في العديد من المجالات مثل الطب ، الجيولوجيا ، الصناعة ، التجارة ، العلوم العسكرية ،إدارة المعلومات ، تكنولوجيا الفضاء وغيرها، فالمنطق الضبابي إذن هو منطق التكنولوجيا المتقدمة، إنه منطق من أجل التطبيق العملي، فهو يهدف لجعل الآلة أكثر تفاعلية مع الإنسان.
استهلت الأستاذة نور اليقين رحال صاحبة كتاب "العوالم الموازية وتقارب الفيزياء بالفلسفة" محاضرتها بالتفصيل في تعريف المنطق الضبابي والتفكير التقريبي، ثم العودة إلى أصوله التاريخية والفلسفية في الحضارات الشرقية القديمة وفي مقولة الإمكان لأرسطو، وكذلك في التراث العربي الإسلامي وفي نظرية الحِجاج المعاصرة، كما تناولت الفرق
بين المنطق المتعدد القيم والمنطق الضبابي، وصولا إلى التناقضات والشكوك في التفكير المنطقي المعاصر، وهنا وقفت عند منطقيّين معاصرين حاولا تأطير العلم المعاصر ونقصد هنا الفيزياء الكوانتية ونظرية الكايوس، كما تطرقت في المحور الثاني من المحاضرة إلى توظيف المنطق الضبابي في الذكاء الاصطناعي، وهنا ذكرت أمثلة في الطب والأجهزة الالكترونية المنزلية والهواتف النقالة.. إلخ، وكذلك إلى إرهاصاته الأولى في الحضارة الإسلامية، وفي المحور الثالث من المحاضرة تناولت توسع تطبيقات المنطق الضبابي في العلوم الإنسانية والاجتماعية، وتطرّقت إلى قصور الاحتمالات والإحصاء، أي المنهج الإحصائي في دراسة الظواهر الإنسانية والاجتماعية، وكيف أنّ المنطق الضبابي يقدّم حلّا يتناسب مع هذه الظواهر، كما تناولت الالتباس في اللغة وضبابية الواقع، وقدّمت نماذجا في العلوم الإنسانية.
بعدها فتح النقاش حول الموضوع من طرف مؤطّري الندوة والحضور من أساتذة وطلبة وكان تنوّع المداخلات والأسئلة من تنوّع الحضور الذي انطلق من تخصصاته المختلفة العلمية والأدبية والإنسانية والاجتماعية، ليتناول المنشط الموضوع منطلقا من منطق الثالث المرفوع، وهو المنطق الذي حلّت به مشاكل فلسفية كبرى خاصة في تعريف الماهيات، ماهية الإنسان، الحيوان.. إلخ، والاختلافات الجوهرية بينها، والتي لا يمكن التمييز بينها إلا وفق هذا المنطق، هنا يطرح سؤالا حول ما إذا استخدمنا المنطق الضبابي في تحديد الماهيات فنحن بصدد إثبات أن الجماد قد يتكلم أو النبات يفكر، وما مدى صحة هذا الافتراض، وهل يمكن القول أن للمنطق التقليدي مجالاته وللمنطق الضبابي مجالاته، أم أن الثاني حلّ محلّ الأوّل، والمنطق التقليدي قد انتهى تماما من الوجود، حيث ترد الدكتورة نور اليقين " لا أعتقد أن المنطق الأرسطي ولّى وانتهى، له مجالات خاصة، والمنطق الضبابي له مجالات خاصة، مثله مثل ميكانيك نيوتن مثلا وميكانيك آينشتاين، لا يمكن أن نقول أن نظرية آنشتاين أسقطته، فمن داخل المنطق الأرسطي استطعنا أن ننتج المنطق الضبابي، فقط أنّه تعرض لانتقادات، والمنطق الضبابي هو منطق الواقع والحياة، والحياة ليست فيها دقّة كما ذكرت في الأمثلة، ففي الكثير من الأمور لا نحتاج إلى دقة، نحتاج فقط أن نتصرف ويكون موقفنا ضبابيا، وحاول المنطق الضبابي أن تكون الآلة تفكر كالإنسان، وتتخذ هذا القرار".
ويتطرق في سؤال آخر إلى بعض الأعمال الأدبية التي يختفي فيها المنطق التقليدي كروايات ألبير كامو وموراكامي في تفسير العواطف الإنسانية إلى منطق أكثر عبثيّة، بحيث صار الحب والكراهية والحنين وما إلى ذلك مشاعر نسبية تعتمد على الحاجة والظرف والسياق وليست عواطف ذات زخم تعاكس الحاجة والظرف والسياق، وصار الروائي أو الشاعر يعبر عن حبه بنسبة ويقابلها بحاجته بنسبة وسياق الحياة بنسبة ثم تتم عملية حسابية يقدّر فيها إمكانية نجاح أو استمرار العلاقة من عدمه، هنا فتح النقاش حول ما إذا كانت ضبابية إنسان القرن العشرين والحادي والعشرين شبيهة بضبابية المسائل الرياضية المنطقية، وهل يعتبر مؤشرا جيدا لتطور المفاهيم الإنسانية أم خطيرا، وأسئلة أخرى دارت حول التعامل مع قضايا الإيمان بالمنطق الحاسم أو الترجيحي، وكذلك حول المعتزلة والمنزلة بين المنزلتين، وإذا ما كان الشخص مرتكب الكبيرة غير مؤمن وغير كافر حسب الأصول الاعتزالية، وهل نعتبر هذا بداية أو مقدمة لتأصيل منطق ترجيحي في تفسير النصوص المقدّسة، وفي جانب آخر يتساءل عمّا إذا كان استخدام المنطق الضبابي تعدّى توظيفه في الذكاء الصناعي إلى الذكاء البشري، وهنا يضرب مثالا باتجاه العالم الغربي نحو تعويم المسؤولية الأخلاقية للبشر كإفراز طبيعي لما بعد الحداثة، عندما نرى الاجتهاد القانوني في حسم قضية جريمة ما يعتمد على نفي المسؤولية الشخصية للمجرم وإلصاقها بالمؤثرات الخارجية (الشجرة الجينية للعائلة، المجتمع.. إلخ)، فصار حسم القضية نسبيا مثلما يتعامل الذكاء الصناعي مع مسألة رياضية، يطرح هنا سؤالا: أليس مبدأ الجزاء والعقاب مبدأ حاسم لا يمكن الاجتهاد فيه بتشديد أو تخفيف في حالة اجتماع الأدلة؟، وهنا يحيل السؤال الضيفة إلى الحديث في الجانب الأخلاقي.من جهته يرى مسعود قايدي أستاذ الفيزياء وكاتب مقالات في تاريخ وفلسفة العلوم أن الإرهاصات الأولى للمنطق الضبابي كانت فلسفية وقديمة جدا، على أقل تقدير إلى فترة الجدل الذي كان محتدما بين الفلاسفة والمتكلّمين، وبقي خارج حدود الفيزيقا، والكشوفات العلمية هي من أخرجته إلى عالم الفيزيقا، وأن تطبيقات المنطق الضبابي لم تظهر إلا بعد أن تأسّست ميكانيكا الكم التي تقدّم تنبّؤات احتمالية.
ومن جهة أخرى يتساءل عن سبب الحاجة إلى الاشتغال بالظن والترجيح، وعم مشروعيّتهما، وعن سبب شيوع هذا النمط من التفكير، وعن مسوّغات استعماله، حيث يقول (يقول آينشتاين في معارضته للتأويل الفلسفي لميكانيكا الكم الذي وضعه الدنمركي نيلز بور: كل ما في الأمر أننا نجهل كل العوامل المؤثرة على سلوك "الجسيم ما دون الذري" لذلك نعطي تنبّؤات احتمالية"، مثل احتمال سقوط المطر في منطقة ما، ثم لا يصدق هذا التنبّؤ لعدم توفر معطيات كاملة لدى خبراء الطقس تسمح لهم بالتنبؤ بحالة الطقس بشكل يقيني، قد يعلمون أشياء وتغيب عنهم تفاصيل صغيرة تؤثر بشكل حاسم على صحة تنبؤاتهم، إذن أعتقد أن مسوّغات الاعتماد على هذا النمط من التفكير المنطقي (يقصد المنطق الضبابي) هو عدم الإحاطة بكل المعطيات وحجمها ضخم جدّا).
وهنا يذكّرنا بما قاله العالم لابلاص لصديقه الامبراطور نابليون ذات يوم "لو أنّنا عرفنا مواقع وسرعات كل جسيمات الكون في أحد الأوقات، ينبغي عندها أن تتيح لنا قوانين الفيزياء أن نتنبّأ بما ستكون عليه حالة الكون في الحاضر والماضي والمستقبل.وفي محور توظيف
المنطق الضبابي في الذكاء الاصطناعي وسباق الدول العظمى لامتلاك عدد كبير من
الحواسيب الكمية يشير في سؤاله للضيفة إلى رواية "الأصل" للأميركي دان
براون عام 2017، التي يتنبّأ فيها بتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر، ويقدم لنا
شخصية عالم الرياضيات المبرمج "
إدموند كيرش" الذي يقْدم على برمجة تطبيق كوانتي ذكي قادر على التلاعب بالبشر
والسيطرة عليهم.
تناول النقاش أيضا المنطق واليومي، وعن حضور المنطق في المجتمع والمدرسة الجزائرية، وأسباب تراجع مكانته ودوره، وانتقدت آخر تغيّر طرأ على المقرر الدراسي للمرحلة الثانوية حيث تمّ التخلّي عن المنطق الذي كان يعدّ الدرس الأوّل في مادة الرياضيات، وتساءلت "كيف يتفاعل التلميذ ويحل المعادلات والمتراجحات التي أصولها منطقية وتعتمد على الروابط المنطقية، وقد حُذف المنطق ونظرية المجموعات التي هي أساس الرياضيات المعاصرة، وحذفت أنماط البرهان، فكيف يواجه العالم ويدخل الجامعة بدون دراية بالمنطق"، وأرجعت جزءً مهمّا من أسباب ذلك إلى تبعية المنظومة التربوية، لتنتقل إلى الإجابة على سؤال سبب تأكيدها في محاضرتها على ابن حزم الذي دعا إلى التعددية، وعلى الفقهاء المناطقة من المغرب الإسلامي الكبير، وكذلك النقد الذي وجّهته إلى الجابري حول التراتبية التي وضعها والتي تستدعي إعادة النظر فيها "العقل البرهاني والعقل البياني، وأنّ العقل البياني مبني على الظن"، وأن العلم هو المبني على الظن على حدّ قولها.
وفي حديثه لـ "الحوار" يقول الدكتور عمر رتيمي، أستاذ بكلية الآداب "عبثا ثقيلا يتوجب علينا النهوض به كاملا"، هي العبارة العميقة التي مازالت تنحت فصوص العقل العربي مؤمنا بحقيقتها وطبيعة مآلاتها ومخرجاتها، إذ لا غرو أن ما نحن فيه من انتساب للعلم أو من نشاط يصحبه إنما هو من قبيل الواصف دون المنتسب أو المنتمي، هذهوغيرها من جميل الأحاسيس والمشاعر ومن حزين التألم والأسى الذي خلّفته جلسة علميّة رائقة بامتياز أشرف على إدارتها أساتذة أفاضل وقامات علمية سامقة حاورت بواعث التحدي ونوازع العلوم البينية، جعلت من الواحد مزيجا ومن الخليط فريدا (من فلسفة العلوم وعلوم اللغة إلى علم الحواسيب والبرمجيات وفيزياء الحركة والكم مرورا بجسر الإعلام والتواصل)، كلها انصهرت في بوتقة واحدة صاغتها الندوة العلمية بأحلى صياغات العلم والتقصي، والبحث والاستقراء، قدّمت من خلالها الأستاذة الفاضلة هذه المحاضرة، المنطق الضبابي أو منطق الضبابية كما أرادت الباحثة ترجمتها عدولا عن (المنطق الغامض) كما يعرّفه أهل العلوم التقنية والميتافيزيقا، بين فواصل حدية تستوفي حقيقته وأعلامه، وإجراءاته وأدواته، وبين نقد لفارط سابق أغفل في مجمل تفاصيله ودقائقه ما أراد البحث أن يجيب عليه ويتجاوزه، فمن مقولات المنطق الأرسطي والرياضي وغيرها القائمة على الصدق والكذب (0 أو1) إلى منطق يتحدى بآفاقه وتطلعاته حدود العجز ومواقف الحيرة، ويضيف "لقد استثار الباحثة باحثان جادّان في درجة اهتماماتها وعلوّ كعبها في هذا الشأن، فصال بها الإعلامي المتمرّس منير سعدي بين سؤال يستوقفها وآخر يجبرها على التطواف بأفكارها ومنجزات بحوثها السّابقة، وجال بها الأستاذ الباحث مسعود قايدي بين إضافة راقية وتثبيت محكم، ماهو المنطق الضبابي؟ ولم استجلبته الحيرة العلمية؟ من كان وراء وجوده؟ ومن هو لطفي زادة؟ وما تكوينه وخلفيته؟ وهل يمكن أن يكون هذا المنطق بديلا عن غيره من المنطقيات، وكيف لنا أن نستفيد من أدواته وإجراءاته؟ وأين نحنُ ممّا قيل فيه وعنه ضمن حقول المعارف الأخرى؟، هذه وغيرها من التساؤلات البانية والإشكاليات المؤسسة لعلم جعل الحاضر منا يستقي عبرا عديدة، وأقل ما يمكن أن يقال أنّ وجود المنطق الضبابي أو الغامض في اهتماماتنا ودراساتنا نعلو به على مخاوف اتخاذ القرار، ونسعى معه لتفادي الاضطراب والقلق من جهل الحاصل وسوء الحادث الطارئ، وأنّه لم يعد في الحسبان بعدئذ (من تمنطق تزندق) بل صار الأمر محكوما إلى (من تشرع وتمنطق فقد تحقق).
وفي كلمته للحوار يقول مسعود قايدي:" الندوة كانت قفزة كمومية تشبه تلك التي تقوم بها الإلكترونات من مدار أدنى إلى مدار أعلى، لتمتص طاقة، اللقاء مدّ جسورا إلى عدد من التخصصات، كالفيزياء التي تعتبر (ميكانيكا الكم) أول من (مَنطَقت) للايقين أو الريبة كما يحلو للبعض تسميتها، والإعلام الآلي التي استغلت هذا المنطق في مجال الحواسيب الكوانتية.
أمّا سالم بن عبد الحفيظ خرّيج طاقوية يقول: "تصلني دعوة من مقهى المخبر لكلية الآداب واللغات والفنون، وأنا كطالب في كلية العلوم والتكنولوجيا اختصاص طاقوية أتساءل وأنا في طريقي إلى الحضور، ماذا سأستفيد من هذه الندوة وأنا أدرس هذا الاختصاص، ومع بداية الندوة انبهرت بوجود ترابط عميق بين الفلسلفة والعلم، كما خلصتُ إلى أنّ المنطق الضبابي هو أساس لكلّ العلوم سواء كانت في مجال الميكانيك على مبدأ الفوضى، أو الرياضيات في الاحتمالات، والاكترونيك في الأجهزة الكهرومنزلية والهواتف الذكية والروبوتات، وغيرها من المجالات العلمية، حبّذا لو تستمرّ مثل هذه الندوات".
ما يميّز تجربة ضيفة مقهى المخبر في عدده الأول الدكتورة نور اليقين رحال هو دراستها لتخصصات مختلفة "فلسفة المنطق وفلسفة العلوم وعلم النفس العيادي والالكترونيك والإعلام الآلي " ولعلّ هذا ما جعل إسهاماتها مختلفة لقدرتها على تناول إشكاليات علمية وفلسفية من زوايا متعددة يمكن الربط بينها، وأطّرت نفسها من خلال انتمائها لكلّ أشكال العلم الذي غاب في تصورات الجامعة، وفي حديثها للحوار تقول "ثمّة جوانب عديدة لم نتطرق إليها بالتفصيل بسبب ضيق الوقت، كالذكاء الاصطناعي، فهو إشكال علمي وفلسفي عالق، فنحن أمام مفهوم زئبقي بل أكثر من ذلك مفهوم تحدّى قدرات الإنسان العلمية والعقلية، لأنه إذا استطعنا أن نحدده في لحظة ما تتسارع المعرفة وهي خاصية من خصائص الآلة فتتسارع المعرفة فتتغير هذه التحليلات"، وعن الإضافة التي قدّمتها لها الندوة تقول " هناك زوايا فتحت من خلال المناقشة ، وكانت قيّمة مثل علاقة الضبابية بمصطلحات العلم الصوفي، كذلك المنطق واليومي فهو ما يِؤرق كل باحث وكل أكاديمي ينشد التغيير والإصلاح، ويبقى التفكير الحل الأنسب للتغيير"، وعن رأيها في التنظيم والحضور تضيف " الحضور كان لصفوة الصفوة، وجمَع تخصصات متعددة ومتنوعة، وفي اعتقادي هذا أحد أسباب نجاح الندوة، إذ كانت مداخلاتهم ملمّة بالموضوع، وآسفة أنني لم أجب على بعضها بسبب الالتزام بالوقت، كذلك الطلبة الكرام لاحظت انصاتهم وتأدّبهم، فالندوة كانت من أجلهم ولهم، التنظيم كان محكما، راعى الالتزام بالوقت وتجاوز ذلك البروتوكول المملّ الذي يسبق الندوات غالبا، وهذه المبادرة تحسب لهم، سعدت كثيرا بكل الوجوه الكريمة والطيبة، وبأهلنا في الجلفة.كان الأساتذة المشرفون على المخبر والإداريون بمثابة خلية نحل عملت بكل دقة واحترافية وتفان لإنجاح الندوة، وهذا الذي كان، ندوة أولى كانت كافية لإظهار الملامح الحقيقية لكلية الآداب في العمل الجاد والمحترف، ويؤكد عميد الكلية الدكتور عبد الوهاب مسعود بأنه كان وسيظل في خدمة النشاطات العلمية والثقافية وتوفير كل الإمكانيات التي تجعل من كلية الأدب نقطة التقاء مختلف التخصصات، ومن جهته فريق مخبر قضايا الأدب والثقافة الشعبية والترجمة أكّد على السعي لأن يكون منصة علمية في خدمة الباحثين والمتعطشين للوعي والمعرفة، وفي السياق نفسه أعلن الدكتور الطيب بلعدل في كلمته الاختتامية أن هذا النشاط يعتبر العدد رقم 01 للمخبر الذي يعتزم عقد ندوات أخرى تستضيف نخبة من الباحثين في مختلف التخصصات.