من يكشف الستار عن المنبع الحقيقي للشرّ !؟
مع بداية موجة أحداث " التغيير " من تونس وما قاربهـا زمنيّـاً لم يُكشف عن أهمّ الحقائق التي كانت يجب أن تظهر قبل أيّ خطـوة على غرار ليبيا وما حدث فيها و الغموض الذي لا يزال يحيط بها رغم ما كشفت عنه الأيام الماضية والتي حاول إعلام الدعاية التعتيم عليها وإبرازها على نقيضهـا تماماً ! أو بما يتناسب مع الأجندات التي تبنّتها تلك المؤسسات " الإعلامية ! " التي ادّعت الحيادية و نقل الواقع كما هو دون تزوير .. و نصرة الشعوب والقضية و كلمة الحقّ ، الغريب أكثر أنّ الكثير من المحلّلين و المفكّرين و حتى بعض ممن نُسمّيهم دعاةً وعلماء دين تورّطوا وساهموا في عملية التحريض الإعلامي بشكل أو بآخر لتأجيج الوضع والمزيد من الصراعات والفوضى ولو بدون قصد وعن غير دراية وهنا المصيبة أعظـم ! ، نفس الإشكالية اليوم إزاء ما يحدث في سوريا بلد الحضارة و التاريخ و النضال والإنسان و التي لن نختلف في أن ما يحدث جدّ معقـد وغامض رغم ما خلّفه من دماء ودمار وما وصل إليه ولا يزال نظراً لغياب شبه تام لمن يرى الواقع بعين الصواب والحقيقة والنية الصافية لنصرة الإنسان وحقن الدماء وحلّ الأزمة دون المزيد من الخسائر خارج دائرة المصالح والاستثمار والمتاجرة بدماء الأبرياء كما يحدث ما يسمى بالحراك الدبلوماسي والذي طالما كان واضحا بأنه لا يكرس إلا المزيد من هدر الوقت والمزيد من الاحتقان والمكر والخداع ولازلنا بغياب عقولنا ووعينا نثق في ذلك للأسف الشديد ! ، لماذا لا يُناقش هؤلاء المحلّلون و المفكرون الذين نراهم منذ أول حراك في مقدّمة الحملة الإعلامية الأسباب الحقيقية التي أدّت إلى تفاقم الأزمة السورية إلى هذا الحدّ الرّهيب و لماذا طالت لهذه الدرجـة ما يسمونها " ثورة إسقاط نظام " عوض المطالبة فقط برحيله وإطلاق الاتهامات والعويل في الفضائيات دون توقّف ، أليس من واجب هؤلاء تسليط الضوء على منابع الشرّ الحقيقية التي تتغذى منها الأزمـة و تقتات منها الفتن وليست المنابع الوهمية التي ضلّلوا بها الرأي العام و سوّقوها زوراً على أنها الحقيقة ومكمن ومنبع كلّ الدماء والدمار الذي حدث ولا يزال يحدث !
أعتبر هؤلاء المحلّلين والمفكّرين وغيرهم ممن رافقوا " الثورات ! " و دعموها جزءاً كبيراً من الأزمـة و من أسباب تفاقمها فمادام قد وصل حجم المكر والخداع والتآمر القذر إلى احتواء أمثال هؤلاء الذين يُعتبرون عادةً نخبة الأمّـة وحُماة أفكارها وثقافتها ومبادئها الأصلية والأصيلة و مصالحها و ضمّهم ولو بطريقة غير مباشرة إلى مشروع تحقيق أجندات الاحتلال عن طريق إعلام ماكر وماهر في الاحتلال الفكري فلم يعد السّبيل نحو الحلّ والخروج الحقيقي من هذه الأزمـة و كلّ ما يليها من أزمات إلا بالعودة إلى العقل و تحريره من الاستلاب والتوجيه الماكر اللاإنساني الذي برع فيه هذا النوع الطاغي من الإعلام ! .. العقل هذه الأداة العظيمـة القادرة على حلحلـة كلّ معضلاتنا دون الارتماء في حضن آخر وتنظيراته التي أثبتَ التاريخ عبر التجارب أنها لا تقودنا إلا نحو الهاوية ومزيد من عصور الجهل والظلام و هذا منطقي بلغـة المصالح والهيمنة والاحتلال بكلّ أشكاله هذا الأخير الذي لا يزال هناك بجهله من لا يعترف به إلا إذا تسّرب علنـاً من الحدود وحلّقت طائراته في السماء ! ، لا حلّ خارج تحرير العقل المهمّش بثقافة الفوضى والدمار و الخيانـة الممنهجـة والمركّبة و المسوّقـة في ثوب البطولة ! ،تحرير العقل هو تحرير الحقيقة والإنسان الذي يُقاد بمكر عال نحو حياة الغابة ، تحريره من " الحَيْونة " عوض أنسنـة ما تبقـّى منه ليسموا نحو النموذج الذي سعى إليه ديننا الحنيف ، تحرير العقول أولاً والتي تُباع المزيد منها كلّ لحظة بحفنة دولارات .
منير سعدي